تفسير قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين)

قال الله تبارك وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ * وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ} [التوبة:58 - 59].

فأجابهم الله سبحانه وتعالى مبيناً أنهم لا يستحقون أن يعطوا من الزكاة أو من الصدقات، فقال تبارك وتعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة:60] يعني: إنما يستحق الصدقات: {لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة:60].

لما ذكر تعالى لمزهم في الصدقات، أعقب ذلك ببيان أحقية ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم من القسمة، ففي الآيتين السابقتين: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ) أي: يعيبك، (فِي الصَّدَقَاتِ) أي: في قسم الصدقات، فأعقب ذلك ببيان أحقية ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم من القسمة؛ لأنه في هذا القسم لم يتجاوز مصارفها المشروعة له، وهذا هو عين العدل، وذلك أنه تعالى شرع قسمها لهؤلاء ولم يكله إلى أحد غيره، ولم يأخذ صلى الله عليه وسلم منها لنفسه شيئاً، فالذي تولى القسمة هو الله سبحانه وتعالى، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أي دور، وإنما بين مصارف الصدقات، وكان قاسماً موزعاً والله هو الذي أعطى، كما في الحديث المتفق عليه عن معاوية رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي)، فالعطاء من الله، وما على النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يوزعها ويصرفها حيث أمره الله تبارك وتعالى، فكذلك هنا الله الذي أعطى، والله سبحانه وتعالى هو الذي أمر بتوزيع المال على هذه المصارف، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الذي قسمها على هؤلاء، ولم يأخذ صلى الله عليه وسلم منها لنفسه شيئاً، بل حرمت الصدقة على أهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم، ففيم اللمز لقاسمها صلوات الله وسلامه عليه؟! وروى أبو داود عن زياد بن الحارث رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته، فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة، فقال له: (إن الله تعالى لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك).

إذاً: هذه الآية الكريمة رد لمقالة أولئك اللمزة الذين كانوا يلمزونه ويعيبونه في قسمة الصدقات، ففيها رد لمقالة أولئك اللمزة وتوضيح لأطماعهم؛ ولبيان أنهم بمعزل عن الاستحقاق، وإعلام بمن إعطاؤهم عدل ومنعهم ظلم، وهم هؤلاء الأصناف الثمانية في هذه الآية الكريمة، فإعطاء هؤلاء عدل ومنع هؤلاء ظلم؛ لأنه منعهم من حقهم الذي شرع الله سبحانه وتعالى لهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015