تفسير قوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)

قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]، قوله: (ولم يخش إلا الله) يعني: ولم يعبد إلا الله.

(فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) يعني: من المهتدين إلى الجنة، وإبراز اهتدائهم مع ما بهم من الصفات الحسنة في معرض التوقع والذي عبر عنه بكلمة عسى؛ لقطع أطماع الكفرة عن الوصول إلى مواقف الاهتداء والانتفاع بأعمالهم التي يحسبون أنهم في ذلك محصلون الكمالات، مع أن المؤمنين متصفون بالإيمان بالله واليوم الآخر، وهم متعلقون بالرجاء، ولا يقطع بنجاتهم أو اهتدائهم، فماذا يصنع الكافرون الذين لم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة ولم يخشوا الله سبحانه وتعالى؟! وفي هذا تنبيه للمؤمنين على ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء، ورفض الاغترار بالله تبارك وتعالى.

والمقصود: أن حال هؤلاء المؤمنين حال مرجوة، والعاقبة عند الله معلومة: {وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41]، والأعمال بالخواتيم، ولا يدري المؤمن -حتى لو تحلى بكل صفات الإيمان- بما يختم له! والأعمال الصالحة التي يقوم بها الإنسان هي إمارة تشير إلى أنه يرجى له أن يكون من أهل الجنة، لكن لا يقطع بذلك، فليست علة موجبة، لماذا؟ لأن الأعمال بالخواتيم، والخواتيم مغيبة.

قال الزمخشري: العمارة تتناول رم ما استرم منها، والرم: الإصلاح.

وقمها -أي: جمع القمامة- أيضاً من عمارة المساجد، وتنظيفها، وتنويرها بالمصابيح، وتعظيمها، واعتيادها للعبادة والذكر، ومن الذكر درس العلم بل هو أجله وأعظمه، وصيانتها مما لم تبن له المساجد كالبيع والشراء فيها، فينبغي على المؤمنين أن يراعوا حرمات بيت الله عز وجل، وكل ما يرغب الناس في الإتيان إلى المسجد للصلاة والذكر وحضور مجالس العلم فهو من عمارة المساجد، وكل ما ينفر من حضور المسجد وتعميره فهو من تخريب بيوت الله سبحانه وتعالى، وصد الناس عنها.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلاً كلما غدا أو راح).

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من بنى لله مسجداً يبتغي به وجه الله تعالى بنى الله له بيتاً في الجنة).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015