يقول ابن القيم: المتقربون إلى الله بالصفير والتصفيق والمخلطون به على أهل الصلاة والذكر والقرآن والقراءة أشباه هؤلاء المشركين.
قال ابن عرفة وابن الأنباري: المكاء والتصدية ليسا بصلاة.
يعني: حذار أن يفهم واحد أن هذه الأشياء يمكن أن تكون عبادة يتقرب بها إلى الله، ويأخذ ذلك من قوله: ((وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً))؛ فهي ليست صلاة، لكن الله تعالى أخبر أنهم جعلوا مكان الصلاة التي أمروا بها المكاء والتصدية، واستبدلوا بالصلاة والركوع والسجود والتوحيد والذكر المكاء والتصدية، فألزمهم ذلك عظيم الأوزار، وهذا كقولك: زرته فجعل جفائي صلتي.
يعني: جعل الجفاء والغلظة مكان الصلة والإحسان إليَّ، والمقصود: أن المصفقين والصفارين في يراع أو مزمار ونحوه فيهم شبه من هؤلاء، ولو أنه مجرد الشبه الظاهر، لكن لهم قسط من الذنب.
فنحن لا نقول: إن هؤلاء الصوفية كفار بنفس ذلك الفعل، لكننا نقول: هم متشبهون بالكفار؛ لأنهم يماثلونهم في هذا الجزء من الانحراف وإن لم يتشبهوا بهم في جميع مكائهم وتصديتهم، والله سبحانه وتعالى لم يشرع التصفيق للرجال وقت الحاجة إليه في الصلاة إذا نابهم أمر؛ كما في الحديث الذي في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نابه في صلاته شيء فليسبح؛ فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيق للنساء)، وكلمة (إنما) تفيد الحصر، فالرجال لا يصفقون.
فعجباً ممن ينتسبون للإسلام كيف يكون التصفيق شائعاً في احتفالاتهم أو مجالسهم أو مؤتمراتهم بهذه الصورة تشبهاً بالكفار! وإذا أعجبوا بشيء من الشخص الذي يخطبهم -مثلاً- فإنهم يعبرون عن إعجابهم بالتصفيق، وهذه ليست سنة المسلمين؛ لأن في شرعنا أن التصفيق إنما هو للنساء في الصلاة، وأما الرجال فقد أمروا بالعدول عنه إلى التسبيح؛ لئلا يتشبهوا بالنساء، فكيف إذا فعلوه كما يفعل المشركون لا لحاجة، وقرنوا به أنواعاً من المعاصي قولاً وفعلاً! وانحراف الصوفية بالذات في هذا الباب انحراف عجيب! ومع ذلك يريدون بشتى الحيل الشيطانية أن يسوغوا هذه الأفعال القبيحة التي يفعلونها؛ حتى إن الأمر يصل بهم إلى الاختلاط الفاحش مع النساء في الموالد ونحوها من المناسبات، ويحصل عندهم تعاطي الشيشة وتعاطي المخدرات ونحو ذلك، إضافة إلى أنها تكون مواسم للقمار والشعائر الكفرية مثل حلق رءوس الصبية، كما يفعل في مناسك حج البدوي، والطواف بالقبر والسجود له، والنذر والذبح للبدوي وكل هذه الأشياء التي ضاهوا فيها المشركين، وهذه لا شك شرك وكفر بالله سبحانه وتعالى، فعلى أي الأحوال هذه من مكائد الشيطان التي أضل بها القوم.
وربما تجدهم بعد ذلك كالجثث الميتة لا حراك بها، لا يعرفون صلاة ولا إجابة مؤذن ولا عمارة للمساجد، وإنما هو موسم تجارة ولهو شبيه بكثير من مواسم الجاهلية، فهذا ليس ذكراً لله، وإنما يخدعون أنفسهم بتسمية هذا الضلال وهذا النسيان ذكراً، ويسمون الأشياء بضد ما تستحق، لأنه ما يفعلونه غفلة عن الله، ونسيان لله سبحانه وتعالى، وهو صد عن سبيل الله عز وجل.
يقول: ومن مكائد عدو الله ومصائده التي كاد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين، وصاد بها قلوب الجاهلين والمبطلين؛ سماع المكاء والتصدية والغناء بالآلات المحرمة الذي يصد القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان.
فالإنسان الذي يمتلئ قلبه بالإيمان وباليقين ويعمر بقراءة القرآن، إذا سمع الغناء أحس أنه يتعاطى سماً يسمم قلبه.
فالمشكلة أن بعض الناس قد يصفون من يصرخون فيهم بحكم الله في الأغاني والمعازف ونحوها بأنهم متشددون؛ حتى إن بعض المشاهير من المشايخ قبل فترة قريبة كتب شعراً أو نثراً، يقول ما معناه: من لم يستمتع بالأوتار تحت الأشجار فهو من جنس طبع الحمار، يعني: أنه يجعل طبع الذين لا يستحسنون الغناء والمعازف من جنس طبع الحمار، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فنحن لا نقول: إن سماع الموسيقى ليس فيه متعة، بل فيه متعة، لكنها متعة محرمة، فمتعاطيها كالذي يستمتع بشرب الخمر أو يستمتع بغير ذلك مما حرمه الله سبحانه وتعالى، فإنه يجد في ذلك متعة، ويجد ميلاً طبعياً في نفسه لهذا الشيء.
وأما المؤمن فإنه لا ينقاد وراء هذه المتعة دون أن يحكم شرع الله فيها.