قال تبارك وتعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُوا بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ * وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف:103 - 105].
((وقال موسى يا فرعون إني رسول من رب العالمين)) أي: أرسلني إليك الذي هو خالق كل شيء وربه سبحانه وتعالى.
((حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق)) أي: جدير بذلك وحري به؛ لما علمت من حالي، وهناك قراءة أخرى: ((حقيق عليَّ أن لا أقول على الله إلا الحق)) بمعنى: واجب علي أن لا أقول على الله إلا الحق، أو ((حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق)) أي: حريص على ألا أقول على الله إلا الحق.
والباء وعلى يتعاقبان، تقول: جاء على حال حسن، وتقول: جاء بحال حسن، فحقيق على يعني: حقيق بألا أقول، وقرأ أبي رضي الله عنه: (حقيق بأن لا أقول).
وقوله: (قد جئتكم ببينة من ربكم) أي: آية قاطعة وواضحة تشهد على صدقي فيما جئتكم به بالضرورة.
((فأرسل معي بني إسرائيل)) روي أن الله تبارك وتعالى أمره أن يأتي فرعون ويقول له: إن إلهنا أمرنا أن نسير ثلاثة أيام في البرية ونقرب له قرابين ونعبده، وقد علم تعالى أن فرعون لا يدعهم يمضون، ولكن ليظهر آياته على يد موسى عليه السلام ويهلك عدوه، فلما أتى موسى فرعون وكلمه في أن يرسل معه قومه أنكر أمر الرب له، وقال: لماذا نعطل الشعب عن أعماله، هذا سيؤثر على الإنتاج وسيؤثر على الاقتصاد، كيف نتركهم يخرجون معك يتعبدون ويتعطلون عن الأعمال التي سخرهم فرعون من أجلها؟ فقد كانوا مسخرين لفرعون في عمل اللبن، وأمر حينئذ بزيادة عملهم، بأن يجمعوا التبن من أنفسهم بعد أن كانوا يعطونه من قبل فرعون.