قال تعالى: ((قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ)) [الأعراف:38].
((قال ادخلوا في أمم)) أي: قال الله سبحانه وتعالى لهم في الآخرة: ((ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ))، يعني: في جملة أمم قد مضت.
((من قبلكم من الجن والإنس)) يعني: كفار الأمم الماضية من النوعين من الجن والإنس ((في النار)) أي: انضموا إليهم في جملة واحدة في النار.
((كلما دخلت أمة)) يعني: كلما سقطت وهوت أمة في النار -والعياذ بالله- ((لعنت أختها)) التي قبلها لضلالها بها، تنزل أمة ثم تأتي الأمة التي بعدها فتلقى في النار فتلعن التي قبلها؛ لأنها هي التي دعتها إلى الضلال، كما قال الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [العنكبوت:25] هذا ما نراه اليوم في كثير من الشعارات كقول: بالروح والدم نفديك يا فلان! وغير ذلك من هذه العبارات التي فيها المودة والارتباط والتحزب.
{ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [العنكبوت:25].
قوله: ((حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا)) أي: تداركوا، بمعنى: تلاحقوا وراء بعض واجتمعوا في النار، فكل الأمم المهلكة دخلت النار واستقرت فيها واجتمعوا جميعاً بعد تتابعهم ولعن بعضهم بعضاً.
وفي هذه الحالة بعد الاستقرار معاً في جهنم والعياذ بالله: ((قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ))، والأوائل هم الرؤساء المقدمون، كما قال الله سبحانه وتعالى عن فرعون أنه {يَقْدُمُ قَوْمَهُ} [هود:98] أي: يسوق قومه إلى النار وهو في مقدمتهم، فالذي يدخل العذاب أولاً هم الرؤساء والوجهاء والسلاطين ورؤساء البدع والضلالات والكفر والطواغيت، ثم يتبعهم الأتباع.
و ((أخراهم)) الذين هم في الذيل وهم الأتباع.
((قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ)) أي: لأجل أولاهم؛ لأن الخطاب ليس لأولاهم إنما الخطاب هو لله سبحانه وتعالى، والمعنى: قالت أخراهم لأجل أولاهم مخاطِبةً الله عز وجل.
قال ابن كثير: أي ((قالت أخراهم)) دخولاً وهم الأتباع، ((لأولاهم)) وهم المتَّبَعون؛ لأنهم أشد جرماً من أتباعهم فدخلوا قبلهم، وهؤلاء الأتباع الذين يشكون الرؤساء إلى الله يوم القيامة؛ لأنهم هم الذين أضلوهم عن سواء السبيل فيقولون: ((رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا)) يعني: سنوا لنا الضلال ودعوا إليه فاقتدينا بهم، ((فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ)) يعني: مضاعفاً؛ لأنهم ضلوا وأضلوا، وكفروا وصدوا عن سبيل الله.
((قال)) الله تعالى: ((لِكُلٍّ ضِعْفٌ)) أي: لكل عذاب مضاعف، أما القادة والرؤساء فبالضلال والإضلال، عذاب على الضلال وعذاب على الإضلال: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت:13]، وأما الأتباع والسفلة فبالضلال وبتقليد أهل الضلال مع ظهور الحق بالبراهين القاطعة، عذاب على الضلال في أنفسهم، وعذاب لأنهم قلدوا الضالين وأعرضوا عن الأنبياء وما جاءوهم به من الحجج والأدلة والبراهين القاطعة.
((قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون)) أي: لا تعلمون ما لكل فرقة منكم، وقرئ بالياء ((ولكن لا يعلمون)) وعليها فهو تذييل لم يقصد إدراجه في جواب.