تفسير قوله تعالى: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)

ثم بين تعالى أنه حرم على اليهود أشياء أخرى غير هذه الأربعة تحقيقاً لافتراء المشركين فيما حرموه إذ لم يوافق شيئاً مما أنزله الله تعالى، يعني: ما حرمتموه لا الوحي الذي عندي حرمه، ولا الوحي عن الأنبياء السابقين حرمه، وذكر اليهود فقال سبحانه وتعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام:146].

قوله: (وعلى الذين هادوا) يعني: على اليهود خاصة (حرمنا كل ذي ظفر) قال سعيد بن جبير: هو الذي ليس منفرج الأصابع.

يعني: لا توجد له أصابع متميزة، لكن تكون أظفاره متميزة، كالجمل والوبر والأرنب، فإنها من ذوات الأظفار غير المشقوقة، أي: غير منفرجة، وأما ذو الظفر المشقوق -وهو البهائم- فلم يحرم عليهم، فقوله: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) يعني: الذي ليس منفرج الأصابع.

وقوله: (ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما) يعني: لا لحومهما.

ففي البقر والغنم بالذات كان يحرم على اليهود أن يأكلوا شحوم البقر والغنم، لكن اللحوم كانت حلالاً لهم.

وقوله: (إلا ما حملت ظهورهما) أي: ما علق في الظهر من الشحوم، فما كان من الشحوم على الظهر فهو حلال، وما عدا ذلك من الشحوم في البقر والغنم فقد كان حراماً على اليهود.

وقوله: (أو الحوايا) يعني: الأمعاء والمصارين؛ لأن الأمعاء والمصارين تختلط بها الشحوم، فالمقصود أن الشحوم التي تختلط بالأمعاء كانت حلالاً لهم.

وقوله: (أو ما اختلط بعظم) يعني: كالمخ والعصب.

وقوله: (ذلك) يعني تحريم تلك الأطايب عليهم (جزيناهم ببغيهم) يعني: بسبب ظلمهم، وهو قتلهم الأنبياء بغير الحق، فكانوا يعاقبون بهذه التشريعات التي فيها تشديد عليهم، وكان الله يشدد عليهم -لعنهم الله- لما كانوا يرتكبون من الجرائم.

وقوله: (ذلك جزيناهم ببغيهم) هذا كما قال تبارك وتعالى في سورة النساء: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء:160 - 161]، فالباء هنا سببية، يعني: بسبب ظلمهم وبغيهم وهذه الجرائم التي ارتكبوها عوقبوا بالتغليظ عليهم في شريعتهم وبهذه الأغلال وهذه الآصار، أما هذه الأمة المرحومة فرفعت عنها هذه الأغلال وهذه الآصار.

قال المهايمي: أي: ولم يكن لغيرهم ذلك البغي، فلا وجه لتحريمها عليهم مع كونها قائمة في أنفسهم.

يعني: لأنهم بغوا حرمت عليهم، أما الذين لم يبغوا فلم تحرم عليهم هذه الطيبات.

وقوله: (وإنا لصادقون) يعني: إنا لصادقون في كل ما نخبر به من الأخبار التي من جملتها هذا الخبر، وهذا الخبر هو تخصيص التحريم بسبب بغيهم، فالله سبحانه وتعالى حرم عليهم هذه الأشياء عقاباً لهم على بغيهم، لا كما زعموا بأن إسرائيل هو الذي حرمها على نفسه، وقد ألقمهم الله سبحانه وتعالى الحجر في قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران:93].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015