له والتفخيم، كأنه قال: فالذين عملوا هذه الأعمال السنية وهي المهاجرة عن أوطانهم فارّين إلى الله بدينهم من دار الفتنة وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ أي التي ولدوا فيها ونشأوا وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي أي من أجله وبسببه، يريد سبيل الإيمان بالله وحده، وهو متناول لكل أذى نالهم من المشركين وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا أي غزوا المشركين واستشهدوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ جملة قسمية، خبر المبتدأ الذي هو الموصول، وهذا تصريح بوعد ما سأله الداعون بخصوصه، بعد ما وعد ذلك عموما وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي من تحت قصورها الأنهار، من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ في موضع المصدر المؤكد لما قبله، فإن تكفير السيئات وإدخال الجنة، في معنى الإثابة. وأضافه إليه تعالى ليدل على أنه عظيم، لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جزيلا كثيرا. كما قيل «1» :
إن يعاقب يكن غراما وإن يع ... ط جزيلا فإنه لا يبالي
وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ أي حسن الجزاء لمن عمل صالحا. ثم بين تعالى قبح ما أوتي الكفرة من حظوظ الدنيا، وكشف عن حقارة شأنها وسوء مغبتها، إثر بيان حسن ما أوتي المؤمنون من الثواب، بقوله:
لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (196)
لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ أي تصرفهم فيها بالمتاجر والمكاسب، أي لا تنظر إلى ما هم عليه من سعة الرزق ودرك العاجل.
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة آل عمران (3) : آية 197]
مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ (197)
مَتاعٌ قَلِيلٌ أي هو متاع قليل، لقصر مدته، وكونه بلغة فانية، ونعمة زائلة، فلا قدر له في جنب ما أعد الله للمؤمنين.
وفي صحيح مسلم «2» عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم: والله! ما الدنيا في الآخرة إلا مثل ما