وإن رأيتموهم ظهروا علينا، فلا تعينونا- رواه البخاريّ- مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ أي من الظفر والغنيمة، وانهزام العدوّ. روى البخاريّ (?) عن البراء قال: لقينا المشركين يومئذ، وأجلس النبيّ صلى الله عليه وسلم جيشا من الرماة، وأمّر عليهم عبد الله بن جبير وقال: لا تبرحوا إن رأيتمونا ظهرنا عليهم- بلفظ ما تقدم- ثم قال البراء: فلما لقيناهم هربوا حتى رأيت النساء يشتددن في الجبل، رفعن عن سوقهن، قد بدت خلاخلهن، فأخذوا يقولون: الغنيمة الغنيمة ... الحديث. مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا أي الغنيمة فترك المركز وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ فثبت فيه وهم الذين نالوا شرف الشهادة، ومنهم أنس بن النضر الأسد المقدام، القائل وقتئذ: اللهم! إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء- يعني المسلمين- وأبرأ إليك مما جاء به المشركون، فتقدم بسيفه، فلقي سعد بن معاذ، فقال أين يا سعد؟ إني أجد ريح الجنة دون أحد! فمضى فقتل، فما عرف حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه وبه بضع وثمانون من طعنة وضربة ورمية بسهم- هذا لفظ البخاريّ- وأخرجه مسلم بنحوه، فرضي الله عنه وأرضاه وقدس روحه الزكية ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ أي كفكم عنهم حتى حالت الحال، ودالت الدولة.
وفيه من اللطف بالمسلمين ما لا يخفى لِيَبْتَلِيَكُمْ أي ليجعل ذلك الصرف محنة عليكم لتتوبوا إلى الله، وترجعوا إليه، وتستغفروه فيما خالفتم فيه أمره، وملتم إلى الغنيمة. ثم أعلمهم أنه تعالى قد عفا عنهم بقوله وَلَقَدْ عَفا عَنْكُمْ أي تفضلا عليكم لإيمانكم وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي في الأحوال كلها، إما بالنصرة إما بالابتلاء، فإن الابتلاء فضل ولطف خفيّ، ليتمرنوا بالصبر على الشدائد، والثبات