والعامل في الحال ما قبل (إلا) بعد النقض. وظاهر النظم الكريم، وإن كان نهيا عن الموت المقيد بقيد، هو الكون على أي حال غير حال الإسلام- لكن المقصود هو النهي عن ذلك القيد عند الموت المستلزم للأمر بضده الذي هو الكون على حال الإسلام حينئذ. وحيث كان الخطاب للمؤمنين، كان المراد إيجاب الثبات على الإسلام إلى الموت. وتوجيه النهي إلى الموت للمبالغة في النهي عن قيده المذكور.
فإن النهي عن المقيد في أمثاله، نهي عن القيد ورفع له من أصله بالكلية، مفيد لما لا يفيده النهي عن نفس القيد. فإن قولك: لا تصلّ إلا وأنت خاشع، يفيد من المبالغة في إيجاب الخشوع في الصلاة ما لا يفيده قولك: لا تترك الخشوع في الصلاة. لما أن هذا نهي عن ترك الخشوع فقط، وذاك نهي عنه وعما يقارنه، ومفيد لكون الخشوع هو العمدة في الصلاة، وأن الصلاة بدونه حقها أن لا تفعل. وفيه نوع تحذير عما وراء الموت- أفاده أبو السعود-.
وقد مضى في سورة البقرة الكلام على لون آخر من سر البلاغة في هذه الجملة.
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا الحبل إما بمعنى العهد، كما قال تعالى في الآية بعدها: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ [آل عمران: 112] . أي بعهد وذمة، وإما بمعنى القرآن، كما في صحيح مسلم «1» عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا وإني تارك فيكم ثقلين أحدهما