وقوله تعالى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ تقرير للقرب وتحقيق له. ووعد للداعي بالإجابة. وقد قرئ في السبع بإثبات الياء في (الداع) و (دعان) في الوصل دون الوقف، وبالحذف مطلقا.
الأول: في معنى الدعاء:
قال في القاموس وشرحه: الدعاء: الرغبة إلى الله تعالى فيما عنده من الخير، والابتهال إليه بالسؤال. ويطلق على العبادة والاستغاثة.
الثاني: فيما فسرّ به قوله تعالى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ:
قال ابن القيّم في (زاد المعاد) في هديه صلّى الله عليه وسلّم في سجوده ما نصه: وأمر- يعني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم- بالدعاء في السجود، وقال (?) : إنه ضمن أن يستجاب لكم
. وهل هذا أمر بأن يكثر الدعاء في السجود؟ أو أمر بأنّ الداعي إذا دعا في محلّ فليكن في السجود؟ وفرق بين الأمرين..! وأحسن ما يحمل عليه الحديث، أنّ الدعاء نوعان:
دعاء ثناء، ودعاء مسألة. والنبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يكثر في سجوده من النوعين. والدعاء الذي أمر به في السجود يتناول النوعين. والاستجابة- أيضا- نوعان: استجابة دعاء الطالب بإعطائه سؤاله، واستجابة دعاء المثني بالثواب. وبكلّ واحد من النوعين فسرّ قوله تعالى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ. والصحيح أنّه يعمّ النوعين. انتهى.
الثالث: فيمن هو الداعي المجاب:
قال الراغب: بيّن تعالى- في هذه الآية- إفضاله على عباده، وضمن أنهم إذا دعوه أجابهم، وعليه نبّه بقوله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60] . إن قيل:
قد ضمن في الآيتين أنّ من دعاه أجابه، وكم رأينا من داع له لم يجبه! قيل: إنّه ضمن الإجابة لعباده، ولم يرد بالعباد من ذكرهم بقوله إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً [مريم: 93] وإنّما عنى به الموصوفين بقوله: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ [الحجر: 42] ، وقوله: وَعِبادُ الرَّحْمنِ [الفرقان: 63]