(فلان يوسوس فلانا) و (قد وشوشه) إذا حدثه سرّا في أذنه. وكذلك الوسوسة. ومنه وسوسة الحليّ. لكن هو بالسين المهملة، أخص.

وقال الإمام: إنما جعل الوسوسة في الصدور، على ما عهد في كلام العرب من أن الخواطر في القلب، والقلب مما حواه الصدر عندهم، وكثيرا ما يقال (إن الشك يحوك في صدره) وما الشك إلا في نفسه وعقله. وأفاعيل العقل في المخ، وإن كان يظهر لها أثر في حركات الدم وضربات القلب وضيق الصدر أو انبساطه.

وقوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ بيان للذي يوسوس، على أنه ضربان: ضرب من الجنّة وهم الخلق المستترون الذين لا نعرفهم، وإنما نجد في أنفسنا أثرا ينسب إليهم. وضرب من الإنس كالمضلين من أفراد الإنسان، كما قال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً [الأنعام: 112] ، وإيحاؤهم هو وسوستهم.

قال ابن تيمية: فإن قيل: فإن كان أصل الشر كله من الوسواس الخناس، فلا حاجة إلى ذكر الاستعاذة من وسواس الناس، فإنه تابع لوسواس الجن. قيل: بل الوسوسة نوعان: نوع من الجن، ونوع من نفوس الإنس. كما قال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق: 16] ، فالشر من الجهتين جميعا. والإنس لهم شياطين كما للجن شياطين.

وقال أيضا: الذي يوسوس في صدور الناس نفسه لنفسه، وشياطين الجن وشياطين الإنس. فليس من شرط الموسوس أن يكون مستترا عن البصر، بل قد يشاهد.

لطائف:

الأولى- قال ابن تيمية: إنما خص الناس بالذكر، لأنهم المستعيذون.

فيستعيذون بربهم الذي يصونهم، وبملكهم الذي أمرهم ونهاهم وبإلههم الذي يعبدونه من شر الذي يحل بينهم وبين عبادته. ويستعيذون أيضا من شر الوسواس الذي يحصل في نفوس منهم ومن الجنّة. فإنه أصل الشر الذي يصدر منهم والذي يرد عليهم.

وقال الناصر: في التخصيص جرى على عادة الاستعطاف، فإنه معه أتمّ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015