حاصرهم، على حكم الله،

وقال فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ... ؟

ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك ...

فتأمّل، كيف فرّق بين حكم الله وحكم الأمير المجتهد، ونهى أن يسمى حكم المجتهدين حكم الله. ومن هذا لما كتب الكاتب- بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه- حكما حكم به فقال: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر، فقال: لا تقل هكذا. ولكن قل: هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وقال مالك: لم يكن من أمر الناس، ولا من مضى من سلفنا، ولا أدركت أحدا أقتدي به، يقول في شيء: هذا حلال وهذا حرام. وما كانوا يجترءون على ذلك. وإنما كانوا يقولون: نكره كذا ونرى هذا حسنا.

ولمّا نهاهم سبحانه عن متابعة العدوّ، ذمّهم بمتابعته، مع أنه عدوّ، من غير حجة، بل بمجرد التقليد للجهلة، فقال:

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة البقرة (2) : آية 170]

وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170)

وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ على رسوله واجتهدوا في تكليف أنفسكم الردّ عن الهوى الذي نفخه فيها الشيطان قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا أي: وجدنا عَلَيْهِ آباءَنا أي: من عبادة الأصنام والأنداد.

فقال مبكّتا لهم أَوَلَوْ أي: أيتّبعون آباءهم ولو كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً أي: من الدين وَلا يَهْتَدُونَ للصواب إذ جهلوه؟

قال الحراليّ: فيه إشعار بأنّ عوائد الآباء منهية حتى يشهد لها شاهد أبوّة الدين. ففيه التحذير في رتب ما بين حال الكفر إلى أدنى الفتنة التي شأن الناس أن يتبعوا فيها عوائد آبائهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015