وقال القاشاني: أي سائق من علمه، وشهيد من عمله، لأن كل أحد ينجذب إلى محل نظره، وما اختاره بعلمه. والميل الذي يسوقه إلى ذلك الشيء إنما نشأ من شعوره بذلك الشيء، وحكمه بملاءمته له، سواء كان أمرا سفليا جسمانيا بعثه عليه هواه، وأغراه عليه وهمه وقوّاه أو أمرا علويّا روحانيّا بعثه عليه عقله، ومحبته الروحانية، وحرّضه عليه قلبه وفطرته الأصلية. فالعلم الغالب عليه سائقه إلى معلومه، وشاهده بالميل الغالب عليه، والحب الراسخ فيه.

والعمل المكتوب في صحيفته يشهد عليه بظهوره على صور أعضائه وجوارحه، وينطق عليه كتابه بالحق، وجوارحه بهيئات أعضائه المتشكلة بأعماله.

انتهى.

القول في تأويل قوله تعالى: [سورة ق (50) : آية 22]

لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22)

لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ في المخاطب بهذا، أقوال ثلاثة:

أحدها- أنه النبيّ صلى الله عليه وسلم، أتى بهذه الجملة معترضة في خلال أمر النبأ الأخروي، تنويها بمنة الإعلام بذلك، والتعريف به، ثم شدة نفوذ البصر به، والوقوف على غوامضه، بعد خلوّ الذهن عنه رأسا. والمعنى: لقد كنت في غفلة من هذا القرآن قبل أن يوحى إليك، فكشفنا عنك غطاءك بإنزاله إليك، فبصرك اليوم حديد، نافذ قويّ، ترى ما لا يرون، وتعلم ما لا يعلمون. ومثله آية ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ [الشورى: 52] .

وثانيها- أنه الكافر، وأن الكلام على تقدير القول. أي: يقال له لقد كنت في غفلة من هذا الذي عاينت اليوم من الأهوال، فكشفنا عنك غطاءك، بأن جلينا لك، ذلك، وأظهرناه لعينيك، حتى رأيته وعاينته، فزالت الغفلة عنك. ومثله عن الكفار آية أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا [مريم: 38] ، وآية وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا [السجدة: 12] .

وثالثها- أنه الإنسان مطلقا، لقوله وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ، والمقصود أنه كشف الغطاء عن البرّ والفاجر، ورأى كل ما يصير إليه.

وعوّل ابن جرير في الأولوية على الثالث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015