فيها من تقوم به الحجة إلى يوم القيامة. ولهذا كان إجماعهم حجة، كما كان الكتاب والسنة حجة. ولهذا امتاز أهل الحق من هذه الأمة بالسنة والجماعة، عن أهل الباطل الذين يزعمون أنهم يتبعون الكتاب، ويعرضون عن سنة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وعما مضت عليه جماعة المسلمين،
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة، رواها عنه أهل السنن والمسانيد، كالإمام أحمد (?) ، وأبي داود (?) ، والترمذي (?) وغيرهم، أنه قال: ستفترق هذه الأمة على اثنتين وسبعين فرقة، كلها في النار، إلا واحدة، وهي الجماعة.
وفي رواية: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم، وأصحابي. وهذه الفرقة الناجية أهل السنة. وهم وسط في النّحل، كما أن ملة الإسلام وسط في الملل.
فالمسلمون وسط في أنبياء الله، ورسله، وعباده الصالحين، لم يغلوا فيهم كما غلت في النصارى ف اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً، لا إِلهَ إِلَّا هُوَ، سُبْحانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة: 31] ولا جفوا عنهم، كما جفت اليهود، فكانوا يقتلون الأنبياء بغير حق، وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ [آل عمران: 21] ، كُلَّما جاءَهُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُهُمْ. بل المؤمنون آمنوا برسل الله، وعزروهم، ونصروهم، ووقّروهم، وأحبوهم، وأطاعوهم، ولم يعبدوهم، ولم يتخذوهم أربابا. كما قال تعالى ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِباداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْباباً، أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 79- 80] .