كما تقدم، فقيل: فإنه ينزل بالهدى والبشرى أيضا. فإن قيل: من شأن الشرط والجزاء الاتصال بالسببية والترتب، فكيف استقام قوله فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ جزاء للشرط؟ أجيب بأن قوله فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ تعليل لجواب الشرط، كما أسلفنا. والمعنى: من عادى جبريل من أهل الكتاب، فلا وجه لمعاداته، بل يجب عليه محبته، فإنه نزل عليك كتابا مصدقا لكتبهم. فلو أنصفوا لأحبوه وشكروا له صنيعه، في إنزاله ما ينفعهم، ويصحح المنزل عليهم. وقيل: الجواب محذوف تقديره «فليمت غيظا» . وعليه فلا يكون فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ نائبا عنه. ووجهه أن يقدر الجواب مؤخرا عن قوله فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ ويكون هو تعليلا وبيانا لسبب العداوة، كأنه قيل: من عاداه، لأنه نزل على قلبك فليمت غيظا.

قال الرضى: كثيرا ما يدخل الفاء على السبب ويكون بمعنى اللام، قال الله تعالى فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ [الحجر: 34] ، وقيل تقديره: فهو عدو لي وأنا عدوه، بقرينة الجملة المعترضة المذكورة بعده في وعيدهم، وهي قوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ أي من كان عدوا لله لإنزاله فضله على من يشاء أو لأمر آخر. وأفادت الآية غضب الله تعالى لجبريل على من عاداه.

وقد روى البخاريّ في صحيحه، عن أبي هريرة حديثا قدسيا «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب» (?) .

وصدّر الكلام بذكر الجليل تفخيما لشأنهم وإيذانا بأن عداوتهم عداوته عز وعلا. وقدم الملائكة على الرسل، كما قدم الله على الجميع، لأن عداوة الرسل بسبب نزول الوحي، ونزوله بتنزيل الملائكة، وتنزيلهم لها بأمر الله، فذكر الله تعالى ومن بعده على هذا الترتيب، وإنما خص جبريل وميكائيل بعد ذكر الملائكة لقصد التشريف لهما، والدلالة على فضلهما، وإنهما، وإن كانا من الملائكة، فقد صارا باعتبار ما لهما من المزية بمنزلة جنس آخر أشرف من جنس الملائكة، تنزيلا للتغاير الوصفيّ، منزلة التغاير الذاتيّ، وللتنبيه على أن معاداة الواحد والكل سواء في الكفر، واستجلاب العداوة من الله تعالى، وإن من عادى أحدهم فكأنه عادى الجميع، إذ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015