باب كهفهم بنيانا عظيما. كالخانقاهات المشاهد والمزارات المبنية على الأنبياء وأتباعهم، و (إذ) على ما يظهر لي، ظرف ل (اذكر) مقدرا. والجملة مستأنفة لبيان ختم نبئهم بما جرى بعد مماتهم، إثر ما أوجز من نبئهم بعد بعثهم والإعثار عليهم.

وجعله ظرفا ل أَعْثَرْنا أو لغيره مما ذكروا- ليس فيه قوة ارتباط ولا دقة معنى.

وقوله تعالى فَقالُوا تفسير للمتنازع فيه. وقوله تعالى رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ جملة معترضة. إما من الله، ردّا على الخائضين في حديثهم من أولئك المتنازعين فيهم على عهده صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، أو هي من كلام المتنازعين في عهدهم.

كأنهم تذاكروا أمرهم العجيب وتحاوروا في أحوالهم ومدة لبثهم. فلما لم يهتدوا أحالوا حقيقة نبيّهم إليه تعالى قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ أي من المتنازعين، وهم أرباب الغلبة ونفوذ الكلمة لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً أي نصلي فيه، تبركا بهم وبمكانهم.

تنبيه:

قال ابن كثير: حكي في القائلين ذلك قولان (أحدهما) أنهم المسلمون منهم (والثاني) أنهم المشركون. والظاهر أنهم هم أصحاب النفوذ. ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظر. لأن

النبيّ صلى الله عليه وسلم قال (?) : (لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد)

يحذّر ما فعلوا. انتهى.

وعجيب من تردده في كونهم غير محمودين، مع إيراده الحديث الصحيح بعده، المسجل بلعن فاعل ذلك. وهو أعظم ما عنون به على الغضب الإلهي والمقت الرباني. والسبب في ذلك أن البناء على قبر النبيّ والوليّ مدعاة للإقبال عليه والتضرع إليه. ففيه فتح لباب الشرك وتوسل إليه بأقرب وسيلة. وهل أصل عبادة الأصنام إلا ذلك؟ كما قال ابن عباس في قوله تعالى: وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً [نوح: 23] ، قال: هؤلاء كانوا قوما صالحين في قومهم. فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم. فلما طال عليهم الأمد عبدوهم. فهؤلاء لما قصدوا الانتفاع بالموتى، قادهم ذلك إلى عبادة الأصنام. قال الإمام محمد بن عبد الهادي عليه الرحمة، في كتابه (الصارم المنكى) بعد إيراده ما تقدم: يوضحه أن الذين تكلموا في زيارة الموتى من أهل الشرك، صرّحوا بأن القصد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015