محاربة الشيطان والفرار بالدين إلى بعض الغيران. ومخالفة النفس وهجر المألوفات الجسمانية واللذات الحسية والقيام بكلمة التوحيد. وقيل جسّرناهم على القيام بكلمة التوحيد، وإظهار الدين القويم، والدعوة إلى الحق عند ملكهم الجبار. لقوله تعالى: إِذْ قامُوا أي بين يديه غير مبالين به. و (إذ) ظرف ل (ربطنا) . قال الشهاب: (الربط) على القلب مجاز عن الربط بمعنى الشدّ المعروف. أي استعارة منه. كما يقال، رابط الجأش. لأن القلق والخوف ينزعج به القلب من محله، كما قال تعالى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ
[الأحزاب: 10] ، فشبه القلب المطمئن لأمر، بالحيوان المربوط في محلّ. وعدّى (ربط) ب (على) وهو متعدّ بنفسه، لتنزيله منزلة اللازم فَقالُوا رَبُّنا الذي نعبده رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بحيث يدخل تحت ربوبيته كل معبود سواه لَنْ نَدْعُوَا أي نعبد مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً أي ذا بعد عن الحق، مفرط في الظلم.
هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً (15)
هؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً عملوا أو نحتوا لهم آلهة، فيفيد أنهم عبدوها. وفي الإشارة تحقير لهم لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ أي على عبادتهم أو إلهيتهم أو تأثيرهم بِسُلْطانٍ بَيِّنٍ أي حجة بينة وبرهان ظاهر. فإن الدين لا يؤخذ إلا به. قال القاشاني: دليل على فساد التقليد، وتبكيت بأن إقامة الحجة على إلهية غير الله، وتأثيره ووجوده، محال. كما قال: إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ [النجم: 23] ، أي أسماء بلا مسميات، لكونها ليست بشيء فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أي لا مساوي له في الظلم والكفر.
إشارة إلى أنهم لا يأتون ببرهان. فهم ظالمون في حق الله، لافترائهم عليه بأن في رتبته العليا شركاء يساوونه فيها. ثم خاطب بعضهم بعضا بقولهم:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة الكهف (18) : آية 16]
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقاً (16)
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ أي وإذ اعتزلتم القوم،