على الآخر فهما صنفان- وهذا التفصيل في الإيمان هو كذلك في لفظ البرّ، والتقوى، والمعروف. وفي الإثم، والعدوان، والمنكر. تختلف دلالتها في الإفراد والاقتران لمن تدبّر القرآن.
وقد بيّن حديث جبريل أنّ الإيمان أصله في القلب، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله- كما
في المسند عن النبي صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: «الإسلام علانية والإيمان في القلب» (?) .
وقد قال صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: «ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب» (?) .
فإذا كان الإيمان في القلب، فقد صلح القلب. فيجب أن يصلح سائر الجسد، فلذلك هو ثمرة ما في القلب. فلهذا قال بعضهم: الأعمال ثمرة الإيمان.
وصحته، لما كانت لازمة لصلاح القلب، دخلت في الاسم. كما نطق بذلك الكتاب والسنة في غير موضع، هذا ما أفاده الإمام ابن تيميّة رحمه الله.
وقوله تعالى: أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ جمع (جنّة) : وهي البستان من النخل والشجر المتكاثف المظلّل بالتفاف أغصانه. وإنما سميت «دار الثواب» بها مع أنّ فيها ما لا يوصف من الغرفات والقصور، لما أنّها مناط نعيمها، ومعظم ملاذّها. وجمعها مع التنكير: لاشتمالها على جنان كثيرة في كلّ منها مراتب ودرجات متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال وأصحابها. وقوله تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ صفة جنّات، ثم إن أريد بها الأشجار، فجريان الأنهار من تحتها ظاهر، وإن أريد بها الأرض المشتملة عليها، فلا بدّ من تقدير مضاف- أي من تحت أشجارها- وإن أريد بها مجموع الأرض والأشجار، فاعتبار التحتيّة بالنظر إلى الجزء الظاهر المصحّح لإطلاق اسم الجنّة على