تركنا ومدلول اللفظ لاقتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا، وهو خلاف الإجماع. فلما عرف سبب نزولها علم أنها في نافلة السفر، أو فيمن صلى بالاجتهاد وبان له الخطأ، على اختلاف الروايات في ذلك.

ومن ذلك قوله: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ ... (?) [البقرة: 158] الآية: فإن ظاهر لفظها لا يقتضي أن السعي فرض. وقد ذهب بعضهم إلى عدم فرضيته تمسكا بذلك. وقد ردت عائشة على عروة في فهمه ذلك بسبب نزولها، وهو أن الصحابة تأثموا من السعي بينهما، لأنه من عمل الجاهلية، فنزلت.

ومنها رفع توهم الحصر. قال الشافعي ما معناه في قوله تعالى قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً ... [الأنعام: 145] الآية: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله.

وكانوا على المضادة والمحادة، فجاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه، نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض المضادة، لا النفي والإثبات على الحقيقة.

فكأنه تعالى قال: لا حرام إلا ما حللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، ولم يقصد حل ما وراءه، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل.

قال إمام الحرمين: وهذا في غاية الحسن، ولولا سبق الشافعيّ إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية، وتعيين المبهم فيها.

ولقد قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر: إنه الذي أنزل فيه، وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما [الأحقاف: 17] حتى ردت عليه عائشة وبينت له سبب نزولها (?) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015