فإن قيل: كان الحواريون الذين أدركوه قد حصل هذا في إيمانهم، فأين المؤمنون به الذين قال فيهم: وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا [آل عمران: 55] . وقوله: فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ [الصف: 14] . (قيل) ظنّ من ظن منهم أنه صلب لا يقدح في إيمانه. إذا كان لم يحرف ما جاء به المسيح. بل هو مقر بأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه- فاعتقاده بعد هذا أنه صلب لا يقدح في إيمانه. فإن هذا اعتقاد موته على وجه معيّن. وغاية الصلب أن يكون قتلا له. وقتل النبيّ لا يقدح في نبوته. وقد قتل بنو إسرائيل كثيرا من الأنبياء. وقال تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [آل عمران: 146] الآية. وقال تعالى: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ
[آل عمران: 143] . وكذلك اعتقاد من اعتقد منهم أنه جاء بعد الرفع وكلمهم. هو مثل اعتقاد كثير من مشايخ المسلمين أن النبيّ صلى الله عليه وسلم جاءهم في اليقظة. فإنهم لا يكفرون بذلك. بل هذا كان يعتقده من هو من أكثر الناس اتّباعا للسنة وأتباعا لها. وكان في الزهد والعبادة أعظم من غيره. وكان يأتيه من يظن أنه رسول الله فهذا غلط منه لا يوجب كفره. فكذلك ظنّ من ظن من الحواريين أن ذلك هو المسيح، لا يوجب خروجهم عن الإيمان بالمسيح، ولا يقدح فيما نقلوه عنه. وعمر- لما كان يعتقد أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يمت (?) ، ولكن ذهب إلى ربه كما ذهب موسى، وأنه لا يموت حتى يموت أصحابه- لم يكن هذا قادحا في إيمانه. وإنما كان غلطا ورجع عنه. وقوله تعالى: