رجعنا إلى المدينة. قلت: أقمتم بمكة شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرا.

وحينئذ فقوله تعالى: إِنْ خِفْتُمْ خرج مخرج الغالب، حال نزول الآية. إذ كانت أسفارهم بعد الهجرة في مبدئها مخوفة. بل ما كانوا ينهضون إلا إلى غزو عامّ، أو سرية خاصة، وسائر الأحياء حرب للإسلام وأهله. والمنطوق، إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له. كقوله: وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً [النور: 33] . وكقوله تعالى: وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ ...

[النساء: 23] الآية.

قالوا: ويدل على أن المراد بالآية صلاة السفر ما

رواه الإمام أحمد (?) ومسلم وأهل السنن عن يعلى بن أمية قال: سألت عمر بن الخطاب. قلت له: قوله تعالى:

فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ... وقد أمن الناس؟ فقال لي عمر رضي الله عنه: عجبت مما عجبت منه. فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك؟ فقال: صدقة تصدق الله بها عليكم. فاقبلوا صدقته.

وروى أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي حنظلة الحذاء قال: سألت ابن عمر عن صلاة السفر؟ فقال: ركعتان. فقلت: أين قوله: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا- ونحن آمنون؟ فقال: سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروى ابن مردويه عن أبي الوداك قال: سألت ابن عمر عن ركعتين في السفر؟

فقال: هي رخصة نزلت من السماء. فإن شئتم فردوها.

قالوا: فهذا يدل على أن القصر المذكور في الآية هو القصر في عدد الركعات.

وإن ذلك كان مفهوما عندهم من معنى الآية. قالوا: ومما يدل على أن لفظ (القصر) كان مخصوصا في عرفهم بنقص عدد الركعات. ولهذا المعنى، لما صلّى النبيّ صلى الله عليه وسلم الظهر ركعتين، قال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت؟ (?) .

هذا، وذهب كثير من السلف، منهم مجاهد والضحاك والسدّيّ، إلى أن هذه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015