الزهريّ عن عبيد الله بن عبد الله عن رجل من الأنصار أنه جاء بأمة سوداء. فقال: يا رسول الله! إن عليّ عتق رقبة مؤمنة. فإن كنت ترى هذه مؤمنة أعتقتها. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتشهدين أن لا إله إلا الله؟ قالت: نعم. قال: أتشهدين أني رسول الله؟ قالت: نعم. قال: أتؤمنين بالبعث بعد الموت؟ قالت: نعم. قال: أعتقها

. وهذا إسناد صحيح، وجهالة الصحابيّ لا تضرّه.

وفي موطأ مالك (?) ومسند الشافعيّ وأحمد وصحيح مسلم وسنن أبي داود والنسائيّ عن معاوية بن الحكم أنه لما جاء بتلك الجارية السوداء، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين الله؟ قالت: في السماء. قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:

أعتقها فإنها مؤمنة

. أفاده ابن كثير.

لطيفتان:

الأولى- قال الزمخشريّ: التحرير: الإعتاق. والحر والعتيق: الكريم. لأن الكرم في الأحرار، كما أن اللؤم في العبيد. ومنه عتاق الخليل وعتاق الطير لكرامها. وحرّ الوجه أكرم موضع منه. وقولهم للئيم: عبد، وفلان عبد الفعل، أي: لئيم الفعل.

والرقبة عبارة عن النسمة، كما عبر عنها بالرأس في قولهم: فلان يملك كذا رأسا من الرقيق.

الثانية- قيل في حكمة الإعتاق: إنه لما أخرج نفسا مؤمنة من جملة الأحياء، لزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار. لأن إطلاقها من قيد الرق كإحيائها. من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات. إذ الرق من آثار الكفر. والكفر موت حكما: أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الأنعام: 122] . ولهذا منع من تصرف الأحرار. وهذا مشكل.

إذ لو كان كذلك لوجب في العمد أيضا. لكن يحتمل أن يقال: إنما وجب عليه ذلك، لأن الله تعالى أبقى للقتال نفسا مؤمنة حيث لم يوجب القصاص. فأوجب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015