وجوه. ثم قال: وقوله تعالى وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ كلمة تعجب. أي لأيّ وجه ولأيّ معنى تفعلون هذا؟ فإنها بذلت نفسها لك وجعلت ذاتها لذّتك وتمتعك، وحصلت الألفة التامة والمودة الكاملة بينكما، فكيف يليق بالعاقل أن يسترد منها شيئا بذله لها بطيبة نفسه؟ إن هذا لا يليق بمن له طبع سليم وذوق مستقيم.
الرابعة: في (الإكليل) استدل بهذه الآية من منع الخلع مطلقا. وقال: إنها ناسخة لآية البقرة. وقال غيره: إن هذه الآية منسوخة بها. وقال آخرون: لا ناسخ ولا منسوخ بل هي في الأخذ بغير طيب نفسها انتهى.
أقول: إن القول الثالث متعين. لأن كلّا من آيتي البقرة وهذه في مورد خاص يعلم من مساق النظم الكريم. وذلك لأن قوله في البقرة: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: 229]- صريح في أن الزوجة إذا كرهت خلق زوجها أو خلقه أو نقص دينه أو خافت إثما بترك حقه، أبيح لها أن تفتدي منه وحلّ له أخذ الفداء مما آتاها، لقوله تعالى ثمّ: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ، فَإِنْ خِفْتُمْ [البقرة: 229] إلخ. والحكمة في حل الأخذ ظاهرة. وهي جبر الزوج مما لحقه من ضعة اختلاعها له وهيمنتها حينئذ عليه، واسترداد ما لو أخذ منه، لكان في صورة المظلوم. لأنه لم يجنح للفراق ولا رغب فيه. فكان من العدل الإلهيّ أن لا يجمع عليه بين خسارتي التمتع والمال. وأما هذه الآية فهي في حكم آخر. وهو ما إذا أراد استبدال زوجته لطموح بصره إلى غيرها من غير أن تفتدي منه، أو ترغب في خلع نفسها منه، فيضن بما آتاها ويأسف لأن تحوزه وهو لا يريدها وليس لها في نفسه وقع، فعزم عليه أن لا يأخذ مما أصدقها شيئا قط بعد الإفضاء. لأنه لو أبيح له الأخذ حينئذ لكان ظلما واضحا. لأنه أخذ بلا جريرة منها. فكان في إبقاء ما في يدها مما آتاها جبر لما نابها من ألم الإعراض عنها واطراحها، رحمة منه تعالى، وعدلا في القضيتين. فالقائل بالنسخ فاته سر الحكمين. وليت شعري ماذا يقول
في الحديث المرويّ في البخاري (?) وغيره، وهو قوله صلى الله عليه وسلم لامرأة ثابت: «أتردّين عليه حديقته!