وقوله رَحِمَهُ اللهُ: {أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} أي: [نَسْجُ الدُّرُوعِ قِيلَ لِصَانِعِهَا: (سَرَّادٌ) أَيِ: اجْعَلْهُ بِحَيْثُ تَتَنَاسَبُ حِلَقُهُ]، {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} السَّرْد مَعناه: نَسْج الدُّروع، كما يُنسَج الثَّوْب من القُطْن ومن الصُّوف: يُنسَج الدِّرع من الحَديد.
ومَعنى (تَقدير السَّرْد) أَيِ: اجْعَلْ هذا السَّرْدَ أيِ: النَّسْج مُقدَّرًا مُتَناسِبًا، من التَّقدير وهو: أن تَجعَل الحلقاتِ مُتَناسِبةً ما تَأتي بحَلقة كبيرة وحَلقة صغيرة، ومنها ألَّا تَجعَل الحلقاتِ ضيِّقةً؛ لأنه إذا كانت ضَيِّقةً وقَفَ الدِّرْع ولم يَكُن سَهْلَ الحرَكة، ولا تَجعَلْها واسِعة جِدًّا؛ لأنك إذا جعَلْتَها واسِعةً جِدًّا لا تَقِي، ثُم هي تَكبَر إذا جعَلْتها واسِعة جِدًّا كَبُرت وآذَتِ اللَّابِس، ولكِنِ اجْعَلْها مُقدَّرة مُتَناسِبة.
والدُّروع عِبارةٌ عن قُمُصٍ من حديد، قميصٌ تَلبَسه كما تَلبَس الثَّوْب، إلاَّ أنَّه لا يَصِلُ كُمُّه إلى الكَفِّ، كُمُّه إلى العَضُد فقَطْ، وهذه الدِّرْعُ مَنسوجة مِنْ حِلَق حَديدٍ صغيرةٍ مَشبوكة بعضُها ببعض، مُداخَلة بَعضُها في بعض حتى يَتِمَّ النَّسْج، وهي مَوْجودة وتُوجَد عند مُتحَف أهل البَلَد، وأمَّا ما يُمسَك باليد حتى يُتَّقى به الرُّمْحُ فهذا يُسمَّى تُرسًا.
وقوله تعالى: {وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ} مَعنَى التَّقدير في السَّرْد: أن تَكون الحَلقات مُتَناسِبة، وألَّا تَكون ضَيِّقة ولا واسِعة؛ لأنها إذا لم تَتَناسَب فإنها تُؤذِي، تَكون واحِدةٌ صغيرةً وواحِدة كبيرةً، وإذا كانت واسِعة فإنها تُؤذِي وقد لا تَقِي السِّهام، وإذا كانت ضيِّقة فإنها لا تَتَحرَّك كما يَنبَغي وَيثقل على اللَّابِس.
وقوله المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{وَاعْمَلُوا} أَيْ: آلَ دَاوُدَ مَعَهُ {صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} فَأُجَازَيكُمْ بِهِ] لمَّا بيَّن الله بما منَّ به على داودَ عَلَيهَ السَّلَامُ مِن تعليم صَنْعة الدُّروع