وقوله تعالى: {بَلِ} للإِضراب الإبطاليِّ؛ يَعنِي أن الله أَبطَل هذين القِسْمين اللذين رَدَّد هَؤلاءِ الكُفَّارُ حال النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بينهما؛ يَعنِي: بل هو غَيرُ مُفتَرٍ وليس به جِنَّة، ولكن هؤلاء الذين لا يُؤمِنون في العَذاب والضَّلال البعيد، ولا يُمكِن أن يُقِرُّوا.

والإضراب قِسْمان: إضرابٌ إِبْطاليٌّ، وانتِقاليٌّ، الإضراب الإبطاليُّ مَعناه: أن ما قَبْلَ (بَلْ) باطِل، والإِضراب الانتِقاليُّ مَعناه أن ما قَبْلَ (بَلْ) مَرحلة انتُقِل منها إلى مَرْحلة أُخرى بدون إِبْطال لها.

ومثال الإِضراب الانتِقاليِّ قوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل: 66]، فإن هذا انتِقاليٌّ، يَعنِي إنهم أوَّلًا بَعُد عنهم الآخِرة، ثُم شَكُّوا فيها، ثُمَّ بعد ذلك عَمُوا عنها - والعِياذُ بالله تعالى-، فهذه أحوالهم الانتِقالِيَّة.

قال تعالى: {بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} أي: لا يُصدِّقون بها ويَعتَرِفون، أي: لا يُؤمِنون بوُجودها ولا يُؤمِنون بما يَحصُل فيها، وقد سبَقَ أن اليوم الآخِرَ يَدخُل فيه كلُّ ما أَخبَر به النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ممَّا يَكون بعد الموت، فكلُّ ما أَخبَر به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ممَّا يَكون بعد الموت كفِتْنة القبر ونَعيمه وعَذابه فإنها داخِلة في الآخرة.

قال رَحِمَهُ اللهُ: [المُشْتَمِلَةِ عَلَى الْبَعْثِ وَالْعَذَابِ {فِي الْعَذَابِ} فِيهَا {وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} يَعنِي: الْحَقَّ في الدُّنْيَا] المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ قَيَّد المُطلَق في المَوضِعين، فهنا قال الله تعالى: {فِي الْعَذَابِ} والمُفَسِّر رَحِمَهُ الله قال: [فِي الْآخِرَةِ] وقال سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ} وقال رَحِمَهُ اللهُ: [فِي الدُّنْيَا].

والأَصَحُّ أن الآية مُطلَقة؛ فهُمْ في العذاب في الدُّنيا وفي الآخرة، أمَّا عذاب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015