وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: {هُوَ الْحَقَّ} ومعَ ذلك [{وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ} طَرِيقٍ {الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} أَيِ: الله؛ ذِي العِزَّةِ المَحْمُودِ] يَهدِي بمَعنَى: يَدُلُّ، فالهِدايةُ هنا هِداية دَلالة وإرشاد، والهِداية نَوْعان: هِداية تَوْفيق؛ وهِداية دَلالة.
أمَّا هِداية التَّوفيق فلا يَملِكها إلا الله، قال الله تعالى لنَبيِّه مُحمَّد - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56].
وأمَّا هِداية الدَّلالة فثابِتة لكلِّ ما يَكون به الإِرْشاد والدَّلالة، فالقُرآن يَهدِي إلى صِراط مُستَقيم، والنَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَهدِي إلى صِراطٍ مُستَقيم، وهنا (يَهدِي) أي: يَدُلُّ.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} يَعنِي: (الله)، وهنا قال: {صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} كما قال تعالى في سُورة إبراهيمَ عليه السَّلام: {لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [إبراهيم: 1]، فأَضافَه إلى هذا الِاسْمِ العَظيم وهو الدَّالُّ على العِزَّة؛ إشارة إلى أن مَن تَمسَّك بهذا الصِّراطِ كانت له العِزَّة.
{الْحَمِيدِ} أَيْضًا إشارة إلى أنَّ مَن لَزِم هذا الصِّراطَ كان في مَقامٍ مَحمود.
أمَّا {الْعَزِيزِ} الذي هو اسْمُ الله تعالى، فإن {الْعَزِيزِ} مَن له العِزَة، والله تعالى له العِزَة جَميعًا {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [يونس: 65]، العِزَّة التي وُصِفُ الله تعالى بها تَتضمَّن ثلاثة مَعانِيَ: عِزَّة القَدْر، وعِزَّة القَهْر، وعِزَّة الامْتِناع.
أما عِزَّة القَدْر فمَعناها: أنَّ الله عَزَّ وَجلَّ ذو قَدْرٍ عَظيم، وأمَّا عِزَّة القَهْر فمَعناها: أن الله ذو قَهْر عظيمٍ؛ وغلَبة لا يَغلِبه أَحَد، وأمَّا عِزَّة الامتِناع فمَعناه: أنَّ الله يَمتَنِع عليه النَّقْص بوَجْهٍ من الوُجوه، ولا يُمكِن أن يَنالَه نَقْصٌ أبَدًا، فهذه هي العِزَّة المُضافة إلى الله.