فنَقول له: بل نحن نَعلَم الجنَّة من وَجْهٍ ونَجهَلُها من وَجْه آخَرَ، فنَعرِف الأسماء منها دون المُسمّيات، فهذا عِلْمٌ وواقِع؛ فنَعرِف أن هناك جَنّة الآنَ ونارًا، وفيهِما ما ذُكِر من النعيم أو من العَذاب لكن نَجهَل الحقيقة.
فلو أَخبَرَك إنسانٌ بخَبَر واقِع في بلادِك مثَلاً، بل في بيتك الآنَ الذي أنت ما أنت فيه، فستَعرِف المَعنى لكن لا تَعرِف الحقيقة كما هي إلَّا إذا شاهَدْتَها.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائِدةُ الأُوْلَى: إنكار الكافِرين للبَعْث؛ لقولهم: {لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ}.
الفائِدةُ الثَّانِيَةُ: أنَ إنكار البَعْث كُفْرٌ؛ لقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا}.
فإن قُلتَ: ما وجهُ الدَّلالةِ؟
فالجوابُ: وَجْهُ الدّلالة: أنه لولا أنَّ لهذا الوَصْفِ تأثيرًا لما قاله الله تعالى بهذا الوَصْفِ، ولقال: (وقالوا لا تَأتِينا الساعةُ)، فلَمَّا قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا} عُلِم أن هذا القَوْلَ لا يَصدُر إلا عن كافرٍ.
الفائِدةُ الثَّالِثَةُ: تَعظيم شَأن القِيامة؛ لأَمْر الله تعالى نَبيَّه محُمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - أن يُقسِم على أنها ستَقَعُ: {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ}.
الفائِدةُ الرَّابِعَةُ: كَمال رحمة الله بعِباده، حيثُ أَخبَرَهم بالبَعْث وأكَده بالمُؤكِّدات اللَّفْظية والمَعْنوية والحِسِّيَّة أيضًا؛ لأنَّ الإيمان بالبَعْث هو الذي يَحمِل الإنسانَ على القِيام بطاعة الله؛ إذ لو لم يَكُن هناك بَعْثٌ ما عمِل الإنسان للآخِرة أبدًا.
فنَقول: إنَّ هذا دليلٌ على رحمة الله سُبحَانَهُ وَتَعالى بالعِباد أن يُؤكد لهم البَعْث الذي يَكون فيه الجزاء على العمَل مِن أَجْل أن يَعمَلوا لهذا اليَوْمِ.