* * *
* قالَ الله - عز وجل -: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} [سبأ: 53].
* * *
قوله - سبحانه وتعالى -: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} يُحتَمَل أن تكون هذه الجُملةُ استِئْنافيَّةً، ويُحتَمَل أن تكون حاليَّةً من قوله تعالى: {وَأَنَّى لَهُمُ} يَعنِي: {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} والحال أنَّهم قد {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ}.
وقوله: {وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} [يَرمَون] {بِهِ} أي: بالنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أو بالقُرآن، وهم أيضًا: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ} أي: [يَرمَون] والقَذْف - كما سبق- هو الرميُ بشِدَّة.
وقوله تعالى: {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} أي: يَتكلَمون بأَمرٍ غائِب عنهم يَدَّعونه وهم فيه كاذِبون، مثل أن يُنكِروا البَعث وَيقولوا: كيف يُبعَث الناسُ وقد كانوا عِظامًا رَميمًا؟ قال تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس: 78]، {وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ} [سبأ: 53] يَقولون: إنَّ محمَّدًا - صلى الله عليه وسلم - شاعِر، وكاهِن ومَجنون، وما أَشبَه ذلك، فهم يَتكلَّمون بكلام لا حَقيقةَ له، ليس بواقِع مَلموس مَشهود، بل هو أَمرٌ غائِب عنهم، وهم لا يَعلَمونه، والغَيْبُ هنا شَبيهٌ بقولنا: يَتكلَّمون بالظَّنِّ، وَيقولون الظنَّ، وما أَشبَه ذلك.