بهذه الصّفةِ بعد إثبات إِتْيان الساعة؛ لأَنّه أمرٌ معلومٌ عِنْدهم، فإذا صدَر هذا الخبَرُ من عالم الغَيْب الذي يقرُّون بعِلْمه للغَيْب صار الخبرُ مُؤكَدًا واقِعًا.
وقوله تعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ} [بالجَرّ صِفَةٌ] لـ (رَبِّ)؛ لأن (رَبّ) مَجرور فنَقول في إعرابه: الواو حَرْفُ قَسَم وجَر، (رَبي) مُقسَم به مَجرور بكَسْرة مُقدَّرة على ما قبل ياء المُتكَلِّم منَع من ظُهورها اشتِغال المَحَل بحرَكة المُناسَبة، فليسَتِ الكَسْرة هذه كَسرةَ الإِعْراب، وإنما قُلنا ذلك لأنه رُبَّما يَرِد علينا مِثْلُ قَوْلنا: (ربّي الله) ليسَتْ مَجرورةً، وهذه الكَسرةُ من أَجْلِ المُناسَبة، فالكَسْرة إِذَنْ ثابِتة قبل أن يَدخُل حرفُ الجر؛ فلذلك تكون الكَسْرة الإِعْرابية مُقدَّرة على ما قَبلَ ياء المُتكَلّم.
وقوله تعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ} صِفة لـ (رَبِّ)؛ وصِفة المَجرور مجَرور.
أمّا بالرفع فيَكون خَبَرَ مُبتَدَإٍ؛ يَعنِي: (هو عالم الغَيْب) والجُمْلة كلُّها: إمَّا حال من (رَبِّ)، وإمّا استِئْنافية لبيان اتِّصاف الله تعالى بهذا العِلْمِ.
و(الغَيْب): ما غاب عن الإنسان وهو أمر نِسْبيٌّ، لكن الغَيْب المُطْلَق لا يَكون إلا لله، أَقولُ: (إن الغَيْب أَمْر نِسْبيٌّ)؛ لأنه قد يَغيب عنك ما لا يَغيب عن غَيْرِك فصاحِب الدُّكَان الذي عند المَسجِد الآنَ تَصرُّفه الذي يَتصرَّفه الآنَ بالنسبة لنا غَيْب، لكن بالنِّسبة لمَن عِنده شهادة، فالغَيْب أمر نِسبيٌّ؛ ولذلك الخَبرُ عن الشيء الواقِعِ هل يُعتَبر من الغَيْب الذي يَختَصُّ به الله تعالى؟
الجوابُ: لا؛ لأَنَّه يَعلَمه مَن وقَع عِنْده وحدَث عِنْده، لكن الغيب المُستَقبَل هذا هو الذي من خَصائِص عِلْم الله؛ ولهذا مَنِ ادَّعى عِلْم الغَيْب في المُستَقبَل صار مُكذِّبًا لقَوْل الله تعالى: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65].