وقوله تعالى: {مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} الجارُّ والمَجرور خبَرٌ مُقدَّم، و {مِنْ جِنَّةٍ} مُبتَدَأ مُؤخَّر قُرِنَت به (مِن) الزائِدةُ من حيث الإعراب المُفيدةُ لمَعنًى، فمِن حيثُ المعنى الفائِدةُ منها هي المُبالَغةُ، أو التَّأكيدُ في النَّفيِ؛ لأنَّ (مِنْ) إذا دخَلَت على المَنفِيِّ أَفادَت العُموم، وصارت نَصًّا فيه.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{مِنْ جِنَّةٍ} جُنُونٍ] فالجِنَّة هنا بمَعنَى: الجُنون، ويُمكِن أن يَكون المُرادُ به الجِنَّ الذي إذا خالَط الإنسان جُنَّ.
وقوله تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ}: {إِنْ} سبَقَ لنا أنها تَأتِي في اللُّغة على أَربَعة أَوْجُهٍ، وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: {إِنْ} بمَعنى [مَا] وهي نافِية، {هُوَ} محُمَّد عَلَيْهِ الصَلَاةُ وَالسَّلَامُ، الذي هو صاحِبكم {إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ} أي: قَبْلَ عذابٍ شديدٍ في الآخِرة إن عَصَيْتموه، يَعنِي: ما محُمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَّا رجُلٌ من أَعقَل الناس، ومن أحَنِّ الناس على قومه؛ لأنه نَذيرٌ لكم، يُنذِركم من العَذاب الشديد القَريب لهم، عندما قال تعالى: {بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ}، وبين يَدَيْ الشيءِ هو أن يَكون قريبًا منه، فالنبيُّ عَلَيْهِ الصَلَاةُ وَالسَّلَامُ هذه حالُه رجُل عاقِل ناصِح لقَوْمه حانٍ عليهم؛ لأنَّ الذي يُنذِرُك من العذاب يُعتَبَر محُسِنًا إليك.
ولو أن رجُلًا جاء يَصيح: أيُّها الناسُ جاءَكمُ العَدوُّ، أيُّها الناس جاءَتْكم النارُ السعيرُ، أيُّها الناسُ جاءَكُمُ الماءُ الفَيَضانُ. نَصِفُ هذا الرجُلَ بأنه ناصِح وعاقِل، وحانٍ عليكم، يُحِبُّ لكمُ السلامة من الشُّرور.
فالنبيُّ عَلَيْهَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بالنِّسْبة لنا ما هو إلَّا نذيرٌ يُنذِرنا من العذاب الشديد القريب؛ ولهذا قال تعالى: {بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} والشديد بمَعنى: القَويِّ.