وقوله تعالى: {أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: أي: [لِأَجْلِهِ] فاللَّام هنا للإِخْلاص، أي: أن تَقوموا مُخلِصين لله عَزَّ وَجَلَّ، لا مُقلِّدين لآبائِكم ولا مُتعَصِّبين لآرائِكم، جَرِّدوا نِيَّاتِكم من كل شيء، إلَّا لله تعالى أن تَقوموا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَحْده؛ لا مُراعاةً لي، ولا مُراعاةً لآبائِكم، ولا لِحَمِيَّتكم، ولكن {لِلَّهِ}.
وقوله تعالى: {مَثْنَى}، قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ]، وهل المُراد حَقيقةُ التَّثنِية؟ يَعنِي: أن يَقوموا على اثنَيْن اثنَيْن، أو المُرادُ مجُرَّد الزيادة على الواحِد؟ يَعنِي: أنه مَثنَى لا يُرادُ به حقيقة الاثنَيْن؟ بل المُرادُ أن تَقوموا لله تعالى مجُتَمِعين سَواءٌ كُنْتم اثنَيْن أم ثلاثةً أم أربعةً أم خمسةً أم عشَرةً، هذا هو الظاهِر.
وقال بعضُ المُفسِّرين رَحِمَهُم اللهُ: المُرادُ بالمَثنَى هنا حَقيقةُ الاثنَيْن. وعلَّلوا ذلك بأن الناس إذا كثُروا اضْطَرَبَت آراؤُهم، وكَثُر الشِّجار بينهم، وفات المَقصودُ؛ لأنك الآنَ لو وضَعْت رأيًا بين عشَرةٍ كم يَأتِيك من رَأْيٍ؟
الجوابُ: عشَرة آراءٍ، وبين اثنَيْن؟ يَأتيك رَأْيان، قالوا: فالاثنان أَقرَبُ إلى الحصْر وأَقرَب إلى تَصوُّر المسألة ممَّا إذا كانوا أكثَرَ من اثنَيْن، ولكن قد يُقال: إن هذا حَقيقة.
لكن أحيانًا يَكون الثلاثة والأربعة أسَدَّ رأيًا من الاثنَيْن فقَطْ، فتُحمَل الآية على أنَّ المُرادَ بالمَثنَى مُطلَق الجَمْع، سواءٌ كانوا اثنَيْن أو أكثَرَ، والمَثنَى قد يُراد به مُطلَق الجَمْع، كما في قوله تعالى: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: 3 - 4]، أي: كرَّةً بعد كرَّة، وليس المُرادُ حقيقةَ الاثنَيْن، وكقول الإنسان وهو يُلبِّي بالحجِّ أو العُمرة يَقول: لبَّيْك. يَعني: إِجابةً لك بعد إجابةٍ.
وقوله: {أَنْ تَقُومُوا} المُرادُ بالقِيام: الثَّباتُ على هذا الأَمْرِ، تَقوموا ثابِتِين،