ثالثًا: ما يَشتَمِل عليه الوحيُ، أو القُرآنُ بالذات، من الأَخْبار الصادِقة، التي ليس فيها ما يُخالِف الواقِع بوجهٍ من الوُجوه، سواءٌ كانت تِلك الأَخبارُ ماضِيةً أو حاضِرةً أو مُستَقبَلة، هذه وجوهُ كَونِه من آيات الله تعالى.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: أنَّ آياتِ الله عَزَّ وَجَلَّ بيِّناتٌ، ليس فيها خَفاءٌ وعلى هذا فما يُشكِل على بعض أهل العِلْم من أحكام الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فليس مَصدَرُه أن الوحيَ خَفِيٌّ، ولكنَّ مَصدَرُه قُصور الناظِر في الوَحيِ، أو تَقصيره، قُصوره بحيث لا يَكون عنده عِلْم، أو لا يَكون عنده فَهْم، أو تَقصيره بحيث لا يَطلُب العِلْم، ولا يَطلُب الفَهْم، وإلَّا فإن آياتِ الله تعالى بيِّناتٌ، ولا يُمكِن أن تَحدُث حادِثة إلى يوم القِيامة إلَّا وفي كتاب الله تعالى بيانُها، ولكن ليس كل أحَدٍ يَستَطيع أن يَتبَيَّنها من القُرآن.

فتَجِد الآية الواحِدة يَتلوها جماعة، وَيتفَكَّرون فيها، يَستَنْبِط أحَدُهم منها مَسائِلَ عديدةً، والآخَرُ لا يَستَنبِطُ منها إلَّا مَسالةً أو مَسأَلتين، وهذا أمرٌ ظاهِر، وكثيرًا ما تُشكِل عليه المَسألةُ، ونُراجِع كتُب العُلَماء والفُقهاء رَحِمَهُم اللهُ وغيرهم ثُم عند التَّأمُّل في الكِتاب والسُّنَّة نَجِد أنها قريبة مَوْجودة؛ إمَّا داخِلة في عُموم اللَّفْظ، أو إشارة، أو إِيماء، أو ما أَشبَهَ ذلك.

وبَيان الآيات إمَّا أن يَكون بذاتها هي بيِّنة واضِحة، وإمَّا أن يَكون عن طريق السُّنَّة، تُبيِّن المُجمَل، وتُفسِّر المُشكِل، وتُقيِّد المُطلَق، وتُخصِّص العامَّ، وتَنسَخ المُحكَم - وهذا مَحَلُّ خِلافٍ بين العُلَماء رَحِمَهُم اللهُ، والصحيحُ أنها تَنسَخ ذلك؛ لأنَّ الكلُّ من عند الله تعالى-.

إِذَنْ: عرَفْنا مَعنَى (بيِّنات)، سَواءٌ كان بذاتِه أو ببَيان السُّنَّة قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44]، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بيَّن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015