أيِ: الذي جاء بها وادَّعى أنها من عِند الله إلا رجُلٌ يُريد أن يَصُدَّكم، وانظُرْ كيف تَحمِل هذه الجُملةُ من الاحتِقار والإِنْكار ما هو معلوم، فقولهم: {مَا هَذَا} أَتَوْا به بصيغة الحاضِر وان كان غائِبًا للاحتِقار، وقولهم: {إِلَّا رَجُلٌ} هذا للإِنْكار؛ لأنهم أَتَوْا به بصيغة النَّكِرة، كأنهم لا يَعرِفونه كأنه رَجُل أَجنبيٌّ منهم، قالوا: ما هذا إلا رجُلٌ، ولم يَقولوا: ما ذلك الرجُلُ إلَّا رجُل. بَلْ قالوا: {مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ} احتِقارًا وإنكارًا.
وقوله تعالى: {يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} يَعنِي: لا يُريد أن يَهدِيَكم سبيل الرَّشاد، ولكن يُريد {أَنْ يَصُدَّكُمْ} أن يَصرِفكم وَيمنَعكم {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} أيِ: الأَصْنام من الأشجار والأحجار وغيرها، هذا هو غَرَض هذا الرجُلِ الذي جاء بهذه الآياتِ التي تُلِيَت عليهم، وليس غرَضُه الصلاحَ ولا الإصلاحَ. هكذا ردُّوا الحقَّ بهذه الدَّعْوةِ الباطِلةِ.
وقوله تعالى: {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} ولم يَقولوا: وعما كُنْتم تَعبُدون؛ لإثارة الحَمِيَّة في نُفوسهم؛ لأنَّ الإنسان يَصعُب عليه أن يَدَع ما كان آباؤُه عليه، لا سيَّما مثل هؤلاء الجَهلةِ، ولو قالوا: عمَّا كُنْتم تَعبُدون. لكان يُمكِن أن يُقالَ: إنهم عَبَدوا على غير أَساس. لكن لمَّا قال تعالى: {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} كأنَّ هذه العِبادةَ لهذه الأصنامِ أمْرٌ مُستَقِرٌّ كان عليه الآباء، ولا يَنبَغي لكم أن تَترُكوا مِلَّة آبائِكم.
ولهذا يَقولون كما حَكَى الله عنهم في آياتٍ أُخرى: {قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ} [الزخرف: 22]، أو {مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] آيتان.
وقول سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ} من الأصنام، والمُراد بالآباء هنا ما يَشمَل آباءَ الصُّلْب، وهو الأبُ الأَدْنى والآباء الأَعلَيْن، وهمُ الأَجْداد وان عَلَوْ.