وقوله تعالى: {يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا} أيِ: المُشرِكين {ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ}، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {أَهَؤُلَاءِ} الهَمْزة للاستِفْهام و {هَؤُلَاءِ} اسم إِشارة مَفعول مُقدَّم لِـ {يَعْبُدُونَ}، أو هي مُبتَدَأ والمَفعولُ {إِيَّاكُمْ}؛ لأنَّ {يَعْبُدُونَ} الآنَ مُفرَّغة، يَعنَي أنها لم تَأخُذ مَفعولَها، وإذا لم تَأخُذ مَفعولها صارَ ما سبَقَ هو المَفعولَ.
وهل يَجوز تَقديم مَعْمُول خبَرِ (كانَ) عليها؟
الجوابُ: نعَم يَجوز، وفي باب (كانَ) وأَخواتها، أنَّه يَجوز تَقديم خبَرِها، ويَجوز تقديم مَعمولِ خبَرِها، قال الله تعالى: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ} [هود: 8] قُدّم عامِلُ الخَبَر على الأَداة، {إِيَّاكُمْ} مَفعول لـ {يَعْبُدُونَ}، يَعنِي: أَهَؤلاءِ كانوا يَعبُدونكم، ولكنه فصَل الضَّمير؛ لتَقدُّمه.
وقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ} بتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَالِ الْأُولَى يَاءً وَإِسْقَاطِهَا] عِندنا هَمْزتان، هَمْزة {أَهَؤُلَاءِ} الَثانية، وهَمْزة {إِيَّاكُمْ} فيها ثلاث قِراءات: القِراءة الأُولى تَحقيق الهَمْزتين: (أهؤلاءِ إِيَّاكم)، والقِراءة الثانية يَقول رَحِمَهُ اللَّهُ: وإِبدال الأُولى ياءً: (أَهَؤُلايِ إِيَّاكم) بأن تَجعَل الهَمْزة ياءً، والثالِثة إِسْقاط الهَمْزة الأُولى: (أَهَؤُلا إِيَّاكم)، يَعنِي الهَمْزة الأُولى من الهَمْزتين المُتجاوِرَتَيْن، وهي هَمْزة (أُولاءِ) الثانية وهَمْزة (إيَّاك)؛ ثلاثة قِراءات، وفي أَيِّها قَرَأْتَ أَجزَأَ.
تنبيه: قوله تعالى: {أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} بتَحقيق الهَمْزتَيْن وإبدال الأُولى ياءً، ذكَر بعضُ المُحَشِّين أن المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ وَهِمَ في هذا، وأنَّ إبدال الياء إنما هو في الثانية لا في الأُولى، يَعنِي: أنَّ الأُولى ما فيها قِراءة في إبدالِها ياءً، وإنما إبدال الياء في الثانية دون الأُولى، فيَكون هذا وَهْمًا من المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ أو سَبْقة قلَمٍ.