وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}: {مُعَاجِزِينَ} لنا مُقدِّرين عَجْزنا وأنهم يُفوِّتوننا، و (المُعاجِز) هو: الطالِب لإِعْجاز غيرِه فـ (عاجَزَه) مِثل قاتَلَه.
والمَعنَى: أنهم يُعاجِزون الله تعالى، أي: يَطلُبون على زَعْمهم ما بِه العَجْز؛ ولهذا قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [أَيْ: مُقَدِّرِينَ عَجْزَنَا وَأَنَّهُمْ يُفَوتُونَنَا، هؤلاء الذين فعَلوا ذلك يُعاجِزون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَيطلُبون ما فيه عَجْزه على زَعْمهم، وَيقولون: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32]، هذا تَعجيز لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حكيم لا يُجيبُهم إلى ما أَرادوا، بَلْ ويَجعَل هذه الأُمورَ حَسبَ ما تَقضِيه الحِكْمة، قال الله تعالى: {أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} سبَق أن هذه الجُملةَ هي خبَرُ الذين يَسعَوْن، فخَبَر المُبتَدَأ الآنَ جُمْلة خبَرَّية.
وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالى: {أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ} أي: محُضرون في نَفْس العذاب، والعَذاب بمَعنَى العُقوبة والنِّكاية، وهذا خبَرٌ يُراد به التَّهديد، لا مجُرَّد أن نَعلَم بأن هؤلاء سيَحضُرون في العذاب ويُعذَّبون، بلِ المُراد التَّهديد، والتَّحذير من صَنيعهم.
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أن من عِباد الله تعالى مَن يَسعَى لإِبْطال آيات الله عَزَّ وَجَلَّ بكُلِّ ما يَستَطيع من قُوَّةٍ، ووَجْه ذلك أن الله تعالى أَثبَتَه وأَثبَتَ عذابه، فقال عَزَّ وَجَلَّ: {أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ}، وليس شيئًا مَفروضًا مُقدَّرًا، بل هو شيءٌ واقِع.