وقوله تعالى: {يَرْجِعُ} بمَعنَى: يَرُدُّ؛ وعلى هذا فتكون مُتعَدِّية؛ لأن رَجَع تَأتي لازِمةً وتَأتي مُتعَدِّية، فقَوْلُك: رجَعْتُ من مكَّةَ إلى المدينة. هذه لازِمة؛ لأنها لم تَنصِب المَفعول، وقوله تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ} [التوبة: 83]، هذه مُتعَدِّية، وهنا قال عَزَّ وَجلَّ: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} فهذه مُتَعَدِّية؛ أي: يَردُّهم، و {الْقَوْلَ} هنا مُبهَم ومجُمَل، ثُمَّ فصَّله بقوله تعالى: {يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}.
وفائِدة الإِبْهام المُفصَّل عظيمة؛ لأنه إذا أَجمَل أَوَّلًا وأَبهَم، فإن النَّفْس تَتَطلَّع إلى بيان ذلك الشيءِ وتَفصيله، فعندما أَقرَأُ: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} ماذا يَكون ذِهْنك؟
الجوابُ: يَكون ذِهْنك مُتَطَلِّعًا إلى بيان هذا القولِ الذي يَتَراجَعونه، لكن لو قال: "ولو ترَى إذِ الظالمِون مَوقوفون عند رَبِّهم يَقول الذين استُضْعِفوا" هكذا جاءَت لم يَكُن لها من التَّمكُّن في الذِّهْن مِثل ما كان لها حينما أُبهِمَ القَولُ، ثُم بُيِّنَ أو أُجمِل، ثُم فُصِّل.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ} ماذا يَقولون؟ [{يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} الْأَتْبَاعُ {لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} الرُّؤُسَاءِ {لَوْلَا أَنْتُمْ} صَدَدْتُمُونَا عَنِ الْإِيمَانِ {لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} بِالنَّبِيِّ] (لولا) هذه شَرْطية، ويُقال فيها: حَرْف امتِناع لوجوب؛ لأنه امتَنَع جوابُها؛ لوجود شَرْطها، وتَأتي (لولا) الشَّرْطية كما هنا، وتَأتي للتَّحضيض، كما في قوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13] وتَأتي للنَّفْي، كما في قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [يونس: 98]، المَعنَى: فما كانت قَرية آمَنَتْ فنَفَعها إيمانُها إلَّا قوم يُونُسَ لمَّا آمَنوا، وهنا يَقول: لولا أَنتُمْ.