من قولهم: أَنِس. إذا تَحرَّك وعمِل، وعلى هذا فيَكون النَّاس اسْمًا مُشتَقًّا، وليس اسْمًا جامِدًا، قالوا: وأَصْله: (الأُناس)، لكنها حُذِفت الهمْزة تَخفيفًا؛ لكَثْرة الاستِعْمال، ومثل ذلك قولهُم: شَرٌّ وخَيْر. كأنْ تَقول: هذا خيرٌ من هذا. بمَعنى: أَخيَرُ مِن هذا، فحُذِفتِ الهمْزة للتخفيف؛ لكَثْرة الاستِعْمال، قالوا: ومن ذلك (الله)، وأَصلُه الإِلَهُ؛ حُذِفتِ الهَمْزة للتَّخفيف؛ لكَثْرة الاستِعمال، على أن هذه المَسألةَ الثانِيةَ الأَخيرة فيها شيء من النَّظَر؛ لأنَّ (الإِله) تَأتي إلى جانِب (الله)، وتَقول: هو الله الإِلَهُ العَظيمُ .. إلى آخِره.
وقول المُفَسر -رَحِمَهُ اللهُ-: [{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} أَيْ: كُفَّارِ مَكَّةَ]، وهذا قُصور من المُفَسِّر -رَحِمَهُ اللهُ-؛ لأنَّنا إذا قُلْنا: إنك أُرسِلْت إلى كُفَّار مَكَّةَ فغَيرُهم لم يُرسَل إليهم، وهذا قُصور عظيم جِدًّا؛ كيف تَأتي كلِمة (النَّاس) في مَقام الرسالة ونَقول: المُراد بها كُفَّارُ مَكَّةَ.
والصوابُ: المُراد بها كُفَّارُ مَكَّةَ وغَيْرهم، وكُلُّ الكُفَّار إلى يوم القِيامة، وليس في حَياته فَقَطْ، إلى يوم القيامة للنَّاس عُمومًا.
وقوله تعالى: {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} أي: مُبشرًا للمُؤمنين بالجنَّة، ونَذيرًا: مُنذِرًا للكافِرين بالعذاب، بَشيرًا: حال أيضاً من الكاف في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ}، وقوله تعالى: {بَشِيرًا} (فَعيلٌ) بَمعنَى (مُفَعِّل) أو (بشير) بمَعنى: ببِشارة، و (فَعيل) تَأتي بمُعنَى (مُفعل) كما أسلَفْنا ذلك كثيرًا، وقوله تعالى: {بَشِيرًا} للمُؤمِنين بالجنَّة {وَنَذِيرًا} للكافِرين بالنار، وَينبَغي أن يقال: بَشيرًا للمُؤمِنين بالجَنَّة -كما قال المُفَسر -رَحِمَهُ اللهُ- ونَذيرًا للعاصِين بالعُقوبة؛ ليَشمَل الإنذارَ عن الكُفْر والإِنْذار عن المَعاصي، بمَعنَى: أنَّه حتَّى المَعاصي رُتبت عليها عُقوبات، من أَجْل أن تَردعَ الإنسان عن فِعْلها.