وأمَّا العَقْلُ فاسأَلْ عَقْلَكَ: هل الكَمال في عُلوّ الذّات أو في نَفْي العُلُوِّ عنه؟ الجوابُ: الأوَّل بلا شَكٍّ، عُلوُّ الذّات تَدُلُّ على الكَمال، بل هي الكَمال، فإذا كان العُلوُّ هو الكمالَ، فإن من المعلوم عَقْلًا أن الربَّ مُتَّصِف بالكَمال، وحينئذٍ يَثبُت له العُلوُّ عَقْلًا.
أمَّا الفِطْرة فاسأَلْ فِطْرتَكَ عندما تَسأَل الله تعالى شيئًا -افرِضْ أنك ما درَسْتَ ولا حضَرْت في المساجد ولا شيء- إذا سألت الله شيئًا أينَ يَنصَرِف قلبُكَ؟
الجوابُ: إلى الأعلى؛ ولهذا كان أبو المَعالي الجوَيْنيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- يُقرِّر فيَقول: كان الله تعالى ولم يَكُن شيْءٌ قبلَه، وكان عَرشُه على الماء. وما ذكَرَ استِواء العَرْش، يُريد بذلك أن يُنكِر استِواء الله تعالى على العَرْش الذي مِن لازِمِه الإقرارُ بالعُلوّ، فقال له أبو جعفر الهمَذاني -رَحِمَهُ اللهُ-: "دَعْنا مِنْ ذِكْر العَرْش، وأَخبِرْنا عن هذه الضَّرورةِ التي نَجِدها في نُفوسنا، ما قال عارِفٌ قَطُّ: يا الله. إلَّا وجَدَ من قَلْبه ضَرورة بطَلَب العُلوّ"، فلَطَم الجُوَيْنيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- على رأسه وصرَخَ وقال: حيَّرَني الهمَذانيُّ! (?). لأنَّ الدليلَ الفِطْريُّ لا يُمكِن النِّزاع فيه، ولو نازَعَك مُنازع فيه قُلْتَ: هذا مجَنون؛ فلو أن أحَدًا أَنكَر طلَب الطَّعام للجائِع فلا يُصدَّق؛ ولهذا تَحيَّر أبو المَعالي الجوَيْنيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- وعجَزَ عن الإجابة؛ لأنَّ هذا دَليل فِطْريٌّ لا يُنازع فيه أحَدٌ.
وعليه فقد تَطابَقتِ الأدِلَّة على عُلُوِّ الله تعالى بذاته، أمَّا عُلوُّه بصِفاته سواء كانت صِفاتِ قَدْر أو قَهْر، فهذا يُقِرُّ به جميع المُنتَسِبين إلى الإسلام، حتَّى الجهْميَّة والأشاعِرة وغيرُهم يُقِرُّون بأنَّ الله تعالى عالٍ عُلُوًّا مَعنويًّا، وهو عُلُوُّ الصِّفاتِ.