إذا قُصِد به المُبالَغة فلا مَفهومَ له سَواءٌ كان في الكَثْرة أو في القِلَّة، فهنا لا يَملِكون مِثْقال ذرة، يَعنِي: ولا دُونَها.
ومثال الكَثْرة: {إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} [التوبة: 80]، ولو أَكثَرَ من سَبعين ما يَغفِر الله تعالى لهم؛ ولهذا قال تعالى في آية المُنافِقين: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [المنافقون: 6]، فإذا جاء القَيْد للمُبالَغة قِلَّةً أو كَثرةً فليس له مَفهوم، إِذَنْ لا يَملِكون مِثقال ذرَّة ولا دُونَها لا في السَّمَوات ولا في الأَرْض، ولو كانوا يَملِكون ذلك لقُلتم: نَتَّعلَّق بهم لعلَّهم يُعطوننا ممَّا يَملِكون.
وهل لهم شرْك في السَّمَوات أو في الأرض؟
الجوابُ: لا، ولو كان لهم شِرْك لقُلْتم: لعلهم يُعطوننا من نصيبهم؛ ولهذا قال -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ} شَرِكة {مِن} هذه زائِدة لَفْظًا لا مَعنًى، وعلى هذا فـ {شِركٍ} مُبتَدَأ مُؤخَّر، وخَبَرُه الجارُّ والمَجرور المُقدَّم {وَمَا لَهُم} يَعني: ما لهم شِرْكٌ في السَّمَوات ولا في الأرض.
وقول المُفَسِّر -رَحِمَهُ اللهُ-: [{وَمَا لَه} تَعَالَى {مِنْهُمْ} مِنَ الْآلهة {مِنْ ظَهِيرٍ} مُعِينٍ] نَقول في إعراب {مِنْ ظَهِيرٍ} كما قُلْنا في إعراب {مِن شِرك} أي: أنَّ (مِنْ) زائِدة لَفْظًا لا مَعنًى، و (ظهير) مُبتَدَأ مُؤخَّر، والظهير بمَعنى: المُعين، كما قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]، إِذَنْ ليس لهم مع الله تعالى مَعونة حتَّى يُدِلُّوا على الله تعالى بها ويَقولون: أَعطِنا عِوَضًا عن مَعونَتنا لنَنفَع مَن يَدعوننا، ما لهم مُساعَدة مع الله تعالى: {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} أي: [مُعِينٍ].