ممَّا يَدُلُّ على أن الإيمان حاجِز عنِ اتِّباع الشيطان، ومُوجِب لاتِّباع هَديِ الرُّسُل عليهم الصلاة والسلام.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: أنَّ الشَّيْطان إمامٌ لكلِّ ضالّ، لقوله تعالى: {فَاتَّبَعُوهُ} فكُلُّ الضالِّين إمامُهم الشَّيْطان، وهم مُتَّبِعون له.
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: وإذا قُلْنا بأنَّ (مِنْ) للتَّبعيض في قوله تعالى: {إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وأن المُراد بالاتِّباع؛ الاتِّباع المُطلَق أنَّ بعض المُؤمِنين قد يَتَّبع الشيطان في بعض الأُمور، وقد يَكون الاستِثْناء مُتَّصِلًا، وتَكون (مِنْ) للتَّبعيض، إذ إن بعض المُؤمِنين قد يَتَّبِعون الشَّيْطان في بعض الأُمور.
مثال ذلك: "لَا يَأْكلْ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ، وَلَا يَشْرَبُ بِشِمالِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ" (?)، فإذا فعَل أحَد ذلك صار مُتَّبِعًا الشيطانَ؛ ولهذا كان القولُ الراجِح تَحريمَ أكل بالشِّمال والشُّرْب بالشِّمال، وأنه ليس مَكروهًا فقط، بل هو حرام، والإنسان يَكون عاصِيًا بذلك، إلَّا إذا كان أَفندِيًّا تَقدُّمِيًّا حَضارِيًّا؛ فإنَّه يَأكُل بالشِّمال! وهذه هي المُشكِلة التي يَزعُم فاعِلوها أنهم تَقدُّمِيُّون وحَضارِيُّون، ولكن ليس كل تَقدُّمًا محَمودًا، فإن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يَقول عن فِرعونَ: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هود: 98]، إِذَنْ على هذا القولِ الأَخيرِ أنَّ (مِنْ) للتَّبْعيض يَكون الاستِثْناء مُتَّصِلًا، وَيكون لبعض المُؤمِنين شيءٌ من اتِّباع الشيطان، لا الاتِّباع الكامِل.
* * *