* * *
* قالَ الله عَزَّ وَجلَّ: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16)} [سبأ: 16].
وقول المُفَسَّر رَحِمَهُ اللَّهُ: {فَأَعْرَضُوا} [عَنْ شُكْرِهِ وَكَفَرُوا] الفاء هنا عاطِفة؛ يَعنِي: أنهم مع هذه النَّعَم؛ جَنَّاتٍ وبَساتينَ عَظيمةٍ وبلَدٍ طَيَّب ومَغفِرةٍ للذنوب إذا قاموا بطاعة الله، قال تعالى: {فَأَعْرَضُوا} يَقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [أَعْرَضُوا عَنْ شُكْرِهِ وَكَفَرُوا]، فأَعرَضوا عن الشُّكْر وقابَلوا هذه النَّعْمةَ بالكُفْر فماذا كانت عاقِبَتُهم؟
قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} والفاءُ هنا عاطِفة وتُفيد السبَبية أيضًا؛ أي: فبِسَبب إِعْراضهم أَرْسَلْنا عليهم سَيْل العرِم، وهذه سُنَّة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في خَلْقه كما قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112)} [النحل: 112]، هؤلاء أَعرَضوا فدمَّرَ الله تعالى دِيارهم.
وقوله: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ} [جَمْعُ عَرْمَةٍ، وَهُوَ مَا يُمْسِكُ المَاءَ مِنْ إِنَاءٍ وَغَيْرِهِ إِلَى وَقْتِ حَاجَتِهِ، أَيْ: سَيْلَ وَادِيهِمُ المَمْسُوكِ بِمَا ذُكِرَ، فَأَغْرَقَ جَنَّتَيْهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ].
{سَيْلَ الْعَرِمِ}، العَرِم بمَعنَى: السَّدِّ، يَعنِى أنَّ هذا السَّيْلَ مَنسوب إلى السدِّ، أو بمعنى: سَيْل العرِم، من باب إضافة الشيء إلى صِفَته، أيِ: السَّيْل العارِم الجارِف