ففيه خِلاف بين العُلماء رَحِمَهُم اللَّهُ، والصوابُ: أنهم يَدخُلون الجَنَّة؛ لقوله تعالى في سورة الرحمن وهو يُخاطِب الجِنَّ والإِنْسَ: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 46 - 47]، فيَكون هؤلاء الجِنُّ إذا خافوا الله تعالى فلَهُمُ الجَنَّةُ، وقال في أثناء ذلك أيضًا: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ} [الرحمن: 56]، وكلِمة (ولا جانٌّ) لا تَتَناسَب مع الإِنْس وإنَّما تَتَناسَب مع الجِنِّ، وهذا هو القولُ الحَقُّ المُتعَيِّن.
ولا يُعارِض ذلك قولُه تعالى عن الجِنِّ الذين صرَفهم الله تعالى إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يَستَمِعون القُرآن حين ولَّوْا إلى قَوْمهم مُنذِرين؛ قال تعالى: {قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 30 - 31]، فيُقال: إن الله تعالى إذا أَجارهم من العَذاب الأليم فلازِم ذلك أن يُدخِلهم الجَنَّة؛ لأن الآخِرة ليس فيها إلَّا دارانِ هما الجَنَّة أو النار، فمَن نَجا من النار دخَل الجَنَّة ولا بُدَّ، فالجِنُّ مُكلَّفون، لكن هل تَكليفهم كتَكليف الإنس؟ بمَعنَى: أن صَلاتَهم كصلاتِنا وصِيامهم كصيامنا وحَجَّهم كحَجِّنا أو يَختَلِفون عنَّا؟
الجوابُ: في هذا احتِمالانِ:
الاحتِمال الأوَّلُ: أن يَكون ما كُلِّفوا به مُساوٍ لما كُلِّفنا به من كل وَجْهٍ، ما دام الرسول - صلى الله عليه وسلم - مَبعوثًا للجِنِّ والإِنْس، ولم يَأْتِ القُرآن ولا السُّنَّة بالتَّفريق بين أحكام الإِنْس والجِنِّ، فالواجِب إِجْراؤُها على ما هي عليه، وأن تَكون هذه الأحكامُ ثابِتةً في حقِّ الإِنْس والجِنِّ على حدٍّ سواءٍ.
والاحتِمال الثاني: أن تَكون الواجِباتُ بالنِّسبة للجِنِّ مُوافِقةً لما هُمْ عليه مُناسِبةً