الجنَّة أيضًا لهذا السبَبِ، وسُمَّيَ الجَنين، لأنه مُستَتِر، فهذه المادَّةُ - الجيم والنون - كلُّها تَدُلُّ على الخَفاء والاستِتار.
فالجِنُّ إِذَنْ عالَم غَيْبِيٌّ ليسوا بظاهِرين، لكنهم قَد يُرَوْن، هذا العالِم مِنهم صالِح ومِنهم دون ذلك، ومنهم مُسلِم ومنهم كافِر، كما في سورة الجِنَّ، يَأْكُلون وَيشْرَبون وَيتَقَيَّئون وَيبُولون؛ كما جاء في الحديث عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وهؤلاءِ الجِنُّ قد يَظهَرون أمام الناس ويُشاهَدُون، إمَّا بصُورِهم التي هم عليها وإمَّا بتَصَوُّرات ثانية، وإمَّا على صورة القِطَط، أو على صورة الدَّوابَّ كما جاء في الحديث الصحيح في النَّهْيِ عن قَتْل الجِنَّانِ التي تَكون في البيوتِ (?)؛ لأنَّ بعضَها قد يَكون من الجِنِّ ورُبَّما يَتَلبَّسون بالإنسان؛ أي: يَدخُلون في جَوْفه حتى يَكون كاللِّباس لهم، فيَصرَعونه وَيُؤذُونَه.
وقد أَشار الله بقوله: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، يَعنِي: مثل المَصروع الذي صَرَعه الشَّيْطان، وهذا الصرعُ؛ أي: صرَع الجِنِّيَّ للإِنْسيِّ لا يُنكِره إلَّا المَلاحِدة، كما قال ابنُ القَيِّم رَحِمَهُ اللَّهُ في زاد المَعاد (?): إنهم لم يَصِلوا إلى هذا النَّوْعِ من الصرَعِ فجعَلوا يُنكِرونه ويُحيلون جميع أنواع الصَّرَع إلى صرَع الأعصاب والمُخِّ وما أَشبَهَ ذلك، وصرَعُ الجِنِّ للإِنْس مَعلوم بالمُشاهَدة أيضًا، فلا يُنكِره إلَّا مُكابِر، لأنه شُوهِد مَنْ يُصرَع ويُخاطَبُ الجِنِّيُّ الذي صرَعه مُخاطَبةً صَريحةً واضِحة، وجرَى ذلك على يَدِ أئِمَّة الإسلام كالإمام أحمدَ وشيخِ الإسلام ابنِ تيميَّةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وغيرهم إلى يَوْمِنا هذا.