(لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فأنت عليهم مصيطر) وليس الأمر كذلك بل المعنى: لكن من تولى وكفر بعد أن ذكرته فيعذبه الله العذاب الأكبر. فمن تولى وكفر بعد أن بلغه الوحي النازل على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنه سيعذب {إلا من تولى وكفر} التولي يعني الإعراض فلا يتجه للحق، ولا يقبل الحق، ولا يسمع الحق، حتى لو سمعه بأذنه لم يسمعه بقلبه كما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون. ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون} [الأنفال: 20، 21] . أي لا ينقادون. فهنا يقول عز وجل: {إلا من تولى وكفر} {تولى} أعرض، {وكفر} أي استكبر ولم يقبل ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام {فيعذبه الله العذاب الأكبر} والعذاب الأكبر يوم القيامة وهنا قال {الأكبر} ولم يذكر المفضل عليه يعني لم يقل الأكبر من كذا فهو قد بلغ الغاية في الكبر والمشقة والإهانة، وكل من تولى وكفر فإن الله يعذبه العذاب الأكبر. وهناك عذاب أصغر في الدنيا قد يبتلى المتولي المعرض بأمراض في بدنه، أو في عقله، أو في أهله، أو في ماله، أو في مجتمعه، وكل هذا بالنسبة لعذاب النار عذاب أصغر، لكن العذاب الأكبر إنما يكون يوم القيامة ولهذا قال بعدها: {إن إلينا إيابهم} أي مرجعهم، فالرجوع إلى الله مهما فر الإنسان فإنه راجع إلى ربه عز وجل لو طالت به الحياة راجع إلى الله، ولهذا قال تعالى: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه} [الانشقاق: 6] .
فاستعد يا أخي لهذه الملاقاة لأنك سوف تلاقي ربك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان ـ مباشرة بدون مترجم يكلمه الله يوم القيامة ـ فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه ـ يعني على اليسار ـ فلا يرى إلا