لما قرر الله عز وجل في هذه السورة حديث الغاشية وهي يوم القيامة، وبين أن الناس ينقسمون إلى قسمين: وجوه خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية، ووجوه ناعمة لسعيها راضية، وبين جزاء هؤلاء وهؤلاء، قال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} وهذا الاستفهام للتوبيخ، أي إن الله يوبخ هؤلاء الذين أنكروا ما أخبر الله به عن يوم القيامة، وعن الثواب والعقاب، أنكر عليهم إعراضهم عن النظر في آيات الله تعالى التي بين أيديهم، وبدأ بالإبل؛ لأن أكثر ما يلابس الناس في ذلك الوقت الإبل، فهم يركبونها، ويحلبونها، ويأكلون لحمها، وينتفعون من أوبارها إلى غير ذلك من المنافع فقال: {أفلا ينظرون إلى الإبل} وهي الأباعر {كيف خلقت} يعني كيف خلقها الله عز وجل، هذا الجسم الكبير المتحمل، تجد البعير تمشي مسافات طويلة لا يبلغها الإنسان إلا بشق الأنفس وهي متحملة، وتجد البعير أيضاً يحمل الأثقال وهو بارك ثم يقوم في حمله لا يحتاج إلى مساعدة، والعادة أن الحيوان لا يكاد يقوم إذا حُّمل وهو بارك لكن هذه الإبل أعطاها الله عز وجل قوة وقدرة من أجل مصلحة الإنسان، لأن الإنسان لا يمكن أن يحمل عليها وهي قائمة لعلوها، ولكن الله تعالى يسر لهم الحمل عليها وهي باركة ثم تقوم بحملها، وكما قال الله تعالى في سورة يس: {ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} [يس: 73] . منافعها كثيرة لا تحصى، وأهلها الذين يمارسونها أعلم منا بذلك، فلهذا قال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت} ولم يذكر سواها من الحيوان كالغنم والبقر والظبي وغيرها لأنها أعم الحيوانات نفعاً وأكثرها مصلحة للعباد.
{وإلى السماء كيف رفعت} يعني وينظرون إلى السماء كيف رفعت بما فيها من النجوم، والشمس، والقمر وغير هذا من