بعده: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا) ، يعني من كفر فله النار قد أعدت، وقوله: (لِلظَّالِمِينَ) المراد به الكافرون، والدليل على هذا قوله: (فَلْيَكْفُرْ) ، فإن قال قائل: "هل الكفر يسمى ظلماً؟ ".
فالجواب: نعم، كما قال الله تعالى: (والكافرون هم الظالمون) (البقرة: 254) ، ولا أحد أظلم ممن كفر بالله أو جعل معه شريكاً، وهو الذي خلقه وأمده وأعده.
قوله: (أَحَاطَ بِهِمْ) أي بأهل النار (سُرَادِقُهَا) أي ما حولها، يعني أن النار قد أحاطت بهم فلا يمكن أن يفروا عنها يميناً ولا شمالاً.
وقوله: (وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) يعني أن أهل النار إذا عَطشوا عَطشاً شديداً وذلك بأكل الزَّقوم أو بغير ذلك أغيثوا بهذا الماء (بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ) يكون كعَكَر الزيت يعني تَفَلَهُ الخاثر في أسفله أو ما أشبه ذلك مما هو منظر كريه، ولا تقبله النفوس كما قال تعالى: (وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ (16) يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ) (ابراهيم: الآية17) ، أي كالصديد يتجرعه ولا يكاد يُسيغه.
(يَشْوِي الْوُجُوهَ) إذا قَرُبَ منها شَواها وتساقطت والعياذ بالله من شدة فيح هذا الماء، وإذا وصل إلى أمعائهم قطعها كما قال جلَّ وعلا: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) (محمد: الآية15) ، وما أعظم الوجع والألم فيمن تقطع أمعاؤه من الداخل، لكن مع ذلك تقطع وتعاد كالجلود) كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَاب) (النساء: الآية56) ، الله أكبر، سبحان القادر على كل شيء،