وقال: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ}، (لَعَلَّنَا) يعني مَعْشَر الأقباط جميعًا {نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ} دون مُوسَى، لكن بشرط: {إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}، وهذا الشَّرطُ فِي ظَنِّهم أَنَّهُ مُتَحَقِّق، وأن السَّحَرَة سوفَ يَغلبون.
وفي قولهم: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ} من إظهار التعصُّب ما لا يَخفَى؛ لِأَنَّ الواجبَ عليهم أن يقولوا: لعلَّنا نَتَّبع الغالبَ، لا أن يقولوا: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ}، فقد يكونُ الحَقّ مع مُوسَى وقد يكون الحَقّ مع السَّحَرَة، فلو وُفِّقوا لقالوا: لعلَّنا نَتَّبعُ الغالبَ أو الحَقَّ، ولكنهم قالوا: {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ}.
ثم استدركوا فقالوا: {إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ} وهذا ما يُسَمَّى بـ (التحفُّظ) - في لُغَة العصر- يعني: كأنَّهم حَكَمُوا بأنَّ الغلبةَ للسحرةِ، لكن معَ تحفُّظ لِقَوْلهِم: {إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ}.
وفي قولهِم: {الْغَالِبِينَ} إشكال من الناحيةِ الإعرابيَّة؛ لأن: (هُمْ) ضمير، والخبر يكون مرفوعًا، فلماذا نُصب؟
نقول: (هُمْ) هنا ضميرُ فَصْلٍ لَيْسَ لها مَحَلّ منَ الإعرابِ، و (الْغَالِبِينَ) خبر (كانَ)، ومعلوم أنَّ خبر (كَانَ) يكون منصوبًا. وضميرُ الفَصْلِ له فوائدُ:
أولًا: تمييزُ الصِّفَةِ عنِ الخبرِ، مثل أن تقولَ: زيدٌ الفاضلُ، وزيدٌ هُوَ الفاضلُ، فإذا قلتَ: زيدٌ الفاضلُ، قد يكون (الفاضل) نعتًا والخبرُ لم يأتِ، أمَّا إذا قلتَ: هُوَ الفاضلُ فقد حَدَّدنا أن (الفاضِل) خبرٌ.
ثانيًا: وكذلك من فَوائده حَصْرُ المبتدأِ بالخبرِ، (زيدٌ هُوَ الفاضل) يعني: لا غَيْرُه.