بالعُتُوِّ والجَبروتِ؛ وذلك لِأَنَّهُ لا يزيد الأمر إلا شدَّة، فيقابل باللين حَتَّى تقوم عليه الحُجَّة.
قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا} كُلًّا مِنَّا {رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ}]، قدّر المُفسِّرُ (كلًّا مِنّا) لأجل التناسُبِ مع المبتدأِ الَّذِي هُوَ اسْم (إن)، والخبر الَّذِي هُوَ رسول: {إِنَّا رَسُولُ}، وفي آيةٍ أُخرى: {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ} [طه: 47]، هكذا بالتثنيةِ، وهنا بالإفرادِ، فخرّج المُفسِّرُ الآيةَ عَلَى أنّ المَعْنى: كلّ واحد منّا، كما فِي قوله تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، أي: اجعل كلَّ واحدٍ منهم. هَذَا أحدُ الوجوهِ.
وجهٌ آخرُ أنَّ {رَسُولُ} بمَعْنى الرِّسالَةِ، أي بمَعْنى اسْم المصدرِ، والمصدرُ إذا وُصِفَ بِهِ يَستوي فيه المفردُ وغيرُه.
ووجه ثالثٌ أن يُقالَ: إنّ الأَصْل فِي الرِّسالَةِ مُوسَى، وَهُوَ واحدٌ، وهارون مُعِين ووَزير، وإلَّا فالأَصْل أن مُوسَى هُوَ الرسول، كما يوجد فِي آياتٍ كثيرةٍ ذِكْر مُوسَى بدونِ ذِكر هارونَ.
وقوله: {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ولم يقلْ: "إنا رسول الله"؛ لأنَّهما سيقابلان شخصًا يدّعي الربوبيَّة وأنه الربّ، فيتبين له من أولِ الأمرِ أنَّ الربوبيَّة ليستْ له وإنَّما هِيَ للهِ.
والعالمَون: كل مَن سِوى الله فهو عالم، وكلُّ المخلوقاتِ عالمٌ، ومع ذلك رُبّما تُضاف إِلَى أنواعِها، ويُقال: عالم البشر، عالم الجنّ، عالم الإبل، عالم كَذَا وعالم كذا، لكن إذا جمعتَ هكذا شملتْ جميع أنواعها، فكل مَن سوى الله فَإِنَّهُ عالمٌ، قالوا: وسُمُّوا عالمًا لأنَّهم علَم عَلَى خالقهم.