إذن إذا كانت من بابِ ذكر الحَقِيقَةِ فيَمتنِع أنْ تكونَ مَعِيَّة الله مشاركةً فِي المكانِ؛ لِأَنَّهُ لو أَثبتنا أَنَّهَا مشاركة فِي المكانِ، لَأَبْطَلْنَا أَنَّهُ عالٍ فِي السَّمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لا يمكنُ أن يشاركَ فِي المكان فِي الأرضِ وَهُوَ عالٍ فِي السَّمَاءِ، لهذا مَن زَعَمَ أن الإمامَ أحمدَ تأوّل وأثبت عنه رواية بجوازِ التأويلِ فِي الصِّفاتِ استنادًا إِلَى تفسيره المعيَّة بالعلم، فقد أخطأ خطأً بيّنًا؛ لِأَنَّ تفسيرَ الإمامِ أحمدَ للمعيَّة فِي العلمِ أراد بِهِ الردَّ عَلَى الجَهْمِيَّة، الَّذين يقولون: إنه معنا بذاك، فيقول: إن دخلت الحُشّ فالله فِي الحُشّ - وَالْعِيَاذُ بِاللهِ - وإن دخلت المسجدَ فالله فِي المسجدِ، وإن دخلت البيتَ فاللهُ فِي البيتِ.
وهكذا يَصِفون الله تعالى بما لا يَلِيق أن يُوصَف بِهِ بناءً عَلَى ظاهرِ الآيةِ الَّتِي لم يَفْهَمُوا حقيقةَ معناها، فهو رَحِمَهُ اللَّهُ فسَّرها بالعلمِ؛ ردًّا عَلَى هَؤُلَاءِ، وتفسيرُه لها بالعلمِ لَيْسَ إخراجًا لها عن معناها، لكنَّه تفسيرٌ لها ببعضِ لَوَازِمِها؛ لِأَنَّ من لازِمِ المعيَّة أن يكون عالمًا بالأمرِ.
ولا تَقْتَرِنُ المعيَّة بالمشاركةِ بالمكانِ؛ لِأَنَّ اللهَ محُيطٌ بكلِّ شيْءٍ سمعًا وبصرًا، ولهذا سَمِعَ قولَ المُجَادِلَة الَّتِي تُجادِلُ الرسولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي زوجها، وتقول عائشة: "لقد جاءت المجادلة إِلَى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنا فِي ناحيةِ البيتِ، تشكو زوجها، وما أسمعُ ما تقولُ" (?).
وفرقٌ بينَ قولنا: إنَّ المعيَّة (تَقتضي) المشاركة فِي المكانِ أو (تَستلزِم)، فإذا قلنا: تقتضي، فمعناه أن هَذَا من معانيها، وإذا قلنا: تَستلزم، فمعناه أَنَّهُ لازِم، فهذا هُوَ الفرق.