قَالَ المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [{الرَّحِيمُ} يَرْحَم المُؤمِنينَ]، ولو أنّ المُفسِّرَ أَبقاها عَلَى عُمُومِها لكان أَولى، لكنه لما قالَ الله تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: 43]، أخذ المُفسِّر يُقيِّد كلمةَ الرَّحيمِ بالمُؤمِنينَ، ولكنَّه يَنبغي أنْ يكونَ عامًّا؛ لِأَنَّ عِزَّته لا تَقتضي انتقامَه، بل قدْ يَمنع الإنتقامُ هَذِهِ الرحمةَ الَّتِي تخصّص بها.
فالجمعُ هنا بين هاتينِ الصفتينِ العِزَّة والرحمةِ للتناسُب البالغِ؛ لِأَنَّ مِنِ اجتماعهما يحصُل الكمالُ، فهو بعِزَّتِهِ ذو رحمةٍ؛ فلو قارنّا بين العزّةِ والرحمةِ فِي صفاتِ المخلوقينَ، لوجدنا أنَّهما لا يجتمعانِ فِي الغالبِ، وأن العزيزَ الَّذِي يَرَى نفسَه قاهرًا فِي الغالبِ لا تكونُ فيه رحمةٌ، فاجتماعُ الصفتينِ يَحْصُلُ بهما كمالٌ عَلَى الكمالِ: عِزَّة ورحمة، ثم اجتماعهما كمالٌ، فيكون معَ العِزَّة رحيمًا لا يؤاخِذ ولا يَنتقم، ولهذا لم يُعَجِّلِ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى العُقوبةَ للظالمِ، ولكنَّه بحِكْمَتِه يُمْلِي له حَتَّى إذا أخذَه لم يُفْلِتْهُ.
وفي هَذِهِ الآيةِ خَتَمَ اللهُ تعالى بِعِزَّتِهِ ورحمته؛ لِيَجْمَعَ بينَ الترغيبِ والترهيبِ؛ الترهيب بالعِزَّة، والترغيب بالرحمةِ.
* * *